نجحت شركات التبغ في تأجيل الاستحقاق الأهم الذي نص عليه القانون رقم ١٧٤ (الحد من التدخين وتنظيم صنع وتغليف ودعاية منتجات التبغ)، يتمثل بورود عبارة «التدخين يقتل» على علب الدخان. تنص المادة الثامنة من هذا القانون على الزامية تدوين تحذيرات صحية على علب الدخان باللغة العربية تصف الآثار الصحية الضارة للدخان، تغطي ٤٠% من مساحة علبة الدخان، على أن تطبق أحكام هذه المادة بعد سنة من صدور المرسوم التطبيقي المتعلق بها. وينص القانون أيضاً على إمكانية صدور مرسوم بناءً على اقتراح وزيري الصحة والمالية بوضع صورة تحذيرية على علب الدخان. ويشير أداء الوزيرين علي حسن خليل ومحمد الصفدي إلى أن الصورة التحذيرية مستبعدة في المرحلة الحالية، تلبية للرغبات «السامية» لشركات التبغ، التي قاتلت بشراسة مدعومة من «إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية» لاستبعاد هذا الخيار. ويفترض أن تتضمن لائحة التحذيرات الواجب تدوينها على عبوات منتجات التبغ نوعين من التحذيرات: الأول تحذير أساسي عام للربط المباشر بين التدخين والموت، مثل: «التدخين يقتل» و«التدخين يؤدي إلى أمراض خطرة ومميتة»، وتدون إحدى العبارتين على الجهة الأمامية من العلبة. أما النوع الثاني من التحذيرات، فيتناول الأضرار الصحية والآثار السلبية التي يسببها التدخين مثل: «التدخين غير المباشر يؤذي الآخرين، يسبب شيخوخة الجلد، والمدخنون يموتون بسن مبكرة».
ومع اقتراب موعد سريان المرسوم التطبيقي الرقم 8991 (التحذيرات الصحية الواجب تدوينها على عبوات منتجات التبغ)، أي ٤ تشرين الأول المقبل، قدم الوزير الصفدي «هدية مجانية» لشركات التبغ عبر مخالفته لنص المرسوم المذكور. ويستدل من كتاب يحمل الرقم ٩٤٤٤ تاريخ ٨ آذار ٢٠١٣ على أن الصفدي خاطب إدارة حصر التبغ والتنباك، مبدياً موافقته على أن تضع شركات التبغ النص التحذيري على علب الدخان بعد سنة من تاريخ توقيعه الكتاب المذكور، أي في ٩ آذار ٢٠١٤، كذلك فإنه وافق على أن يكون هذا التحذير بنسبة ٤٠% من مساحة الوجهة المدون عليها. واستند الوزير الصفدي إلى مشروع تعديل للمرسوم 8991 بعد أن تبين وجود «خطأ مادي» في نص المرسوم الصادر.
كسبت شركات التبغ من خلال قرار الصفدي ستة أشهر إضافية لتضليل المستهلك اللبناني الذي تصرّ الحكومة اللبنانية على عدم إبلاغه بأن «التدخين يقتل»، كذلك فإنها كسبت مساحة أصغر للتحذير الصحي تقل بنحو ٢٥% عن المساحة الاساسية التي نص عليها قانون التدخين.
والمعروف ان المرسوم التطبيقي الرقم 8991 خضع لاستطلاع رأي مجلس شورى الدولة اربع مرات، بناءً على الاعتراضات المتكررة التي قدمتها ادارة حصر التبغ والتنباك، كذلك فإنه خضع لاستطلاع رأي مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية، فأين الخطأ المادي الذي وقع به المرسوم؟ ولماذا لم تتنبه الدوائر القانونية في الوزارات التي أصدرته وقضاة مجلس شورى الدولة الى هذا الخطأ؟ والسؤال الأهم، هل كان هذا الخطأ مقصوداً لكسب الوقت؟
يؤكد المدير السابق للبرنامج الوطني للحد من التدخين الدكتور جورج سعادة، أنه أثناء مناقشة مشروع القانون في المجلس النيابي، أجمعت جميع الآراء على ضرورة أن تكون التحذيرات الصحية على علب الدخان واضحة وصريحة، وجرت الاستعانة بنصوص قانونية أوروبية ومراعاة ما نصت عليه الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية، وهي ملزمة للبنان بعد أن صدّق عليها بجميع بنودها ومن دون أي تحفظ.
ويضيف سعادة: «تختلف أحجام علب التبغ من حيث الطول والعرض والسماكة، لذلك جاء النص القانوني ليحدد بوضوح شمول التحذير الصحي ٤٠% من اجمالي مساحة العلبة. وفي عملية حسابية يتبين ان علب الدخان مهما بلغت سماكتها او طولها، فإن التحذير الصحي الذي يجب ان يرد على الوجهتين الرئيسيتين للعلبة لن تتجاوز ٦٥% من اجمالي كل وجهة ولن يقل عن ٤٠% منها في أسوأ الأحوال. وسأل سعادة عن الدوافع التي دعت إلى قبول الحجج التي تسوقها شركات التبغ للقول إن المرسوم التطبيقي يحتوي على خطأ مادي. وإذا كان هناك فعلاً من التباس في نص المرسوم، فالأساس هو القانون والمادة الثامنة منه تحديداً واضحة لا تحتمل الالتباس أو تعدد التفسيرات (٤٠% من اجمالي مساحة العلبة).
ولفت سعادة الذي ينشط حالياً في الاتحاد اللبناني لحماية المستهلك الى امكانية الطعن بقرار الوزير الصفدي امام مجلس شورى الدولة لمخالفته نص القانون ١٧٤ ولاستناده إلى «مشروع تعديل مرسوم» بدل ان يستند بشكل بديهي الى المرسوم النافذ حكماً!
ما هو موقف وزارة الصحة من قرار وزارة المالية، بعد مرور قرابة سبعة اشهر على صدوره؟ يشير مدير البرنامج الوطني للحد من التدخين فادي سنان في اتصال مع «الأخبار» على ان الوزارة اعترضت على هذا الإجراء وطلبت التزام تطبيق المرسوم منذ موعد سريانه في ٤ تشرين الاول المقبل، لكن ادارة الريجي ابلغت بعدم استعداد شركات التبغ لهذا الإجراء، واعلنت ان العلب المتضمنة التحذيرات الصحية ستصدر في السوق بدءاً من آذار ٢٠١٤. ولفت سنان الى ان وزارة الصحة تتفاوض مع ادارة الريجي لرفع سعر الدخان، وهي بصدد تنظيم مؤتمر اقليمي في بيروت بحضور ممثلين عن دول الجوار لبحث إمكانية رفع سعر الدخان بشكل موحد في هذه الدول، وذلك لضمان عدم حدوث عمليات تهريب بين الحدود.
وأكد سنان أن البرنامج الوطني للحد من التدخين سينسق مع الجمعيات الاهلية للضغط على المعنيين للالتزام التام بقانون التدخين وعدم خرق أي من المادة التي ينص عليها.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر تويتر | @balkantar