بعد 67 عاماً من تحاشي تحمل مسؤولية عضوية مجلس الأمن الدولي التي تحصل عليها الدول العربية بشكل تناوبي وفق الأبجدية وبناء على توافق دولي، فازت السعودية أمس بمقعد غير دائم في مجلس الامن لسنتين قادمتين لتمثيل مجموعة الدول الآسيوية. التوافق يقضي منح الدول العربية في آسيا مقعداً من الكتلة الآسيوية ومحيط الهادئ والجزر الصغيرة مرة كل أربعة أعوام. وتمنح دولة عربية من دول شمال أفريقيا مقعداً من حصة المجموعة الأفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة مرة كل أربعة أعوام. وبذلك يكون للمجموعة العربية مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي تارة من آسيا وتارة من أفريقيا. والعضوية تدوم لعامين متتاليين. لم يتم اختيار فترة المقعد السعودي وفق الأحداث الأخيرة في المنطقة، لا سيما الأزمة السورية، لأن هذا الموعد كان معلوماً منذ 1998. ويمكن معرفته، كما أشهر السنة، وفق الروزنامة المحددة حتى قبل ذلك بعقود، ما لم تتخل الدولة عن حقها. لكن قرار السعودية بنيل المقعد الذي لا بد أن يحظى بأغلبية ثلثي أصوات الجمعية العامة في وقت تمر المجموعة العربية بأخطر انقسام منذ تأسيسها، سيكون له دون شك مفاعيل على الدور العربي في المنظمة الدولية. السعودية لم تكن يوماً طرفاً محايداً، وفي هذه الفترة بالتحديد هي تقود الحرب على سوريا تمويلاً وتسليحاً وتجنيداً وتسييساً. ولها مواقف سياسية معلنة حيال كافة الدول المحيطة بها والبعيدة عنها. فقواتها دخلت البحرين قبل نحو 3 أعوام مساندة للحكم ومعارضة لإرادة الأغلبية الشعبية. وأدوارها في العراق واليمن ومصر ولبنان وغيرها تسلك خطاً سياسياً يختلف جوهرياً عما تعلنه من حياد.

دخول السعودية مجلس الأمن الدولي اليوم سيكون في هذا الإطار عنصر تفرقة وتشتيت للكلمة العربية أكثر منه عنصر توحيد أو نضج سياسي. ولنتصور لو أن السعودية مثلاً كانت في مجلس الأمن الدولي في حرب تموز 2006. كيف كانت ستتعامل مع مسودة القرار 1701؟

السعودية، العضو في الأمم المتحدة منذ عام 1945 أعلنت ترشيح نفسها للمقعد عام 1998 بتزكية المجموعة الآسيوية والمحيط الهادي في كانون الثاني من العام الجاري. قدمت نفسها على أنها دولة تؤمن بمنع وقوع النزاعات المسلحة والوساطة، وبالتعاون بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وبمكافحة الإرهاب. وكانت في الناحية الأخيرة وراء تأسيس مركز مكافحة الإرهاب في نيويورك، والمساهمة الوحيدة في صندوقه، حيث دفعت حتى الآن 110 ملايين دولار.

ومما طرحته للترشيح أنها تريد التأثير على أجندة مجلس الأمن الدولي في قضايا المنطقة بدءاً من الصراع العربي الإسرائيلي ولبنان وليبيا والسودان وسوريا واليمن. وهي تود معالجة جذور الإرهاب بالتركيز على التنمية الاقتصادية لأن الفقر هو المرتع الأساسي الذي يترعرع فيه الإرهاب. وبالطبع تجاهلت النقطة الحساسة الثانية وهي الفتاوى التكفيرية التي تصدر بشكل أساسي عن علمائها ومدارسها.

وعلى صعيد إصلاح مجلس الأمن الدولي تقول السعودية إنها تريد تحسين أساليب العمل بشكل عام. والسعودية التي لا تزال حقوق الإنسان لديها دون الحد الأدنى ستكون محط نقد وعرضة للضغوط.

الانتخابات تتم في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأسلوب لا يختلف كثيرا عن الانتخابات اللبنانية. هناك دفع «عملة» للدول الأعضاء وأحيانا للمندوبين الدائمين أنفسهم. وبالتالي فإن الدول المرشحة تجهد وتكرر تواصلها مع الدول الأعضاء على مستوى وزارات الخارجية في العواصم كما على مستوى المندوبين والمساعدين الذين يدلون بالأصوات. وهذا جهد طويل تبذله الدول. والتي لا تلبي طلبات الدول الأخرى من نواحي عدة، بينها المساعدات المالية ومشاريع التنمية، وصولاً إلى القروض وتبادل المواقف السياسية لا تضمن الدعم السياسي. ورغم أن فوز السعودية بالعضوية كان تحصيل حاصل، إلا أنها لم تنل من الأصوات ما نالته الدول الخمس الأخرى الفائزة. فهي حصلت على 176 من أصل 191 دولة صوتت في الجلسة. الدول التي لم تواصل التصويت لا تكون سددت التزاماتها المالية للأمم المتحدة أو تغيبت عن المناسبة. وفي الانتخابات الأخيرة كان هناك دولتان.

وفازت نيجيريا بأغلبية 186 والتشاد بأغلبية 184 وليثوانيا 187 والتشيلي 186.

وستحل هذه الدول محل خمس دول تخرج من المجلس نهاية العام الحالي. الدول الخارجة هي توغو، عن أفريقيا، باكستان عن آسيا وحوض المحيط الهادي والجزر الصغيرة، والمغرب عن مجموعة أفريقيا، وغواتيمالا عن دول أميركا اللاتينية والكاريبية، وأذربيجان عن دول شرق أوروبا.