قهوة بالانتظار

قال: "دخلت الى مقهى صغير في بلجيكا وطلبت فنجاني قهوة. ثم جلست وصديقي الى طاولة. بعدي دخل شخص طلب فنجاني قهوة واحد منها «بالانتظار» (suspendu). ثم شرب فنجانه وخرج. إثره، دخل سبعة محامين، طلبوا غداء وقالوا: نريد أيضاً ثلاثة أطباق يومية بالانتظار!

لم أفهم. هممت بالاقتراب من صاحب المقهى لأسأله: ما المقصود بفنجان قهوة او طبق يومي بالانتظار؟ بانتظار من؟ ولكن قبل أن أقترب، دخل رجل بدا من ثيابه إنه متشرد وسأل صاحب المقهى: هل لديك فنجان قهوة بالانتظار؟ واذ بالرجل يقدم له باسماً، فنجانا ساخنا، سرعان ما شربه وخرج بدون أن يدفع، فقد كان الزبون السابق قد دفع ثمنه"، كنوع من تضامن اجتماعي مع الفقراء الجدد الذين رمتهم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم، على رصيف البطالة والحاجة.
هذا ما كتبه لي الصديق الفرنسي المعني بكل حركات التضامن الاجتماعية في العالم. فتشت عن أصل لقصة، وفهمت أن حركة «قهوة بالانتظار» بدأت في الحقيقة منذ زمن طويل. كان ذلك في مدينة نابولي الإيطالية، وبعد نسيانها لفترة طويلة، عادت مع الأزمة العالمية، بداية الى مسقط رأسها في نابولي (كانون الأول 2011) حيث قام رئيس بلديتها لويجي دي ماجيستريس بتخصيص يوم لها (Giornata del caffe sospeso)، كان ناجحاً جداً.
بالطبع ليس المقصود بفنجان القهوة، الفنجان بذاته، فبإمكانك أن تدفع ثمن طبقٍ يومي أو صحن شوربا او أي شيء ساخن، على اعتبار إن أقسى الأوقات على المتشردين او العاطلين عن العمل هي أيام الشتاء الاوروبية القاسية. فمن شأن طبق ساخن أن يبث فيك بعض الدفء ويجعلك تحسّ، إضافة الى دفء الجسد، بدفء التضامن الإجتماعي.
بعد نابولي، اجتاحت الموجة الدافئة بلداناً كفرنسا وبلجيكا. وقد أضافت الأخيرة لمستها الخاصة، حين أطلقت حملة «البطاطا المقلية بالانتظار» أما فرنسا، فقد تلقف الفكرة فيها شبيبة حركة «الغاضبون الفرنسيون»، وبدأوا بتسويقها عبر السعي لإنشاء شبكة من المطاعم والمقاهي التي تبنّت هذا المبدأ، ثم أُنشئت صفحات فايسبوك لإرشاد الناس إلى المقاهي المشاركة، أو لترشيح مقاهٍ من أجل الانضمام الى الشبكة اليوم.
فكرت أنه، ومع وجود مليون نازح سوري في البلد انضموا الى مليون فقير لبناني ونصف مليون فقير فلسطيني، ومع إنهيار ثقة اللبناني بمعظم المؤسسات الإغاثية لسبب او لآخر يتعلق بالفساد، فإن في تبنّي هذه الفكرة، ربما، بصيص أمل. فهي تؤمن المساعدة "مباشرة من المغيث الى المستهلك" إن صحّ التعبير، دون المرور بأي نوعٍ من الوسطاء.. ومن دون ان يعرف من يقدم المساعدة، لمن تذهب هديته.
كيف من الممكن أن نسوّق هذه الطريقة من التضامن في لبنان؟ كيف يمكن اقناع المقاهي والمطاعم اولاً، باستضافة الفقراء لأكل ما دفع ثمنه شخص ما مسبقاً؟ طبعا المطاعم ستكون مستفيدة جداً، خاصة ان الفئة التي لا زال بإمكانها ارتياد المطاعم قليلة. هكذا، تؤمن الفكرة لها استهلاكاً مضاعفاً.
ولكن، هل تتصور كيف سيكون عليه التطبيق؟ أي مطعم سيقبل بدخول فقير ليجلس الى الطاولة ويأكل ما سبق أن حاسب عنه مواطن آخر؟ صحيح إن الأفضل هو إشراك مطاعم الوجبات الخفيفة والسريعة.. ولكن، كيف تضمن ضمير الباعة إن سلمّنا بأن الفقراء لن يتقدموا لطلب الطعام المجاني إن لم يكونوا كذلك؟
لا أعرف. كل ما أعرفه أنه بانتظار تطبيق أفكار فعّالة كهذه، سيمضي اللبنانيون أوقاتهم في حسد النازحين على المساعدات التي تأتيهم، اما في العاصمة، فيفضلون القيام بنشاطاتٍ فارغة تدعي الاهتمام الوطني ويقوم البعض بحشوها بمعانٍ لا يمكن أن تكون فيها، مستدرّاً أموال الرعاة التي نحتاج لها في مكان آخر تماماً، ويسوقها الإعلام كنشاط تضامن وطني. فما معنى ان يرعى المصرف المركزي علي سبيل المثال ماراتون "أركض لأجل لبنان"؟. هل معنى ذلك أنه يعطي القيمين عليه نقوداً؟ والى أين تذهب اموال الرعاية؟ علام تنفق؟ لو كانت لتمويل بحوث عن مرض نادر يصيب اللبنانيين مثلا؟ لنزع الالغام؟ لمعالجة اولاد الفقراء.. لبناء مدارس.. لقلنا انه فعلا نشاط وطني.
من أجل صورة لبنان؟ وما معنى السعي لصورة نحن اول من يعلم انها كاذبة؟ من هو المهم؟ كيف يرانا العالم؟ ام كيف نكون فعلاً؟
المصيبة ان هذا النشاط الفارغ من اي معنى يستحوذ على ما تخصصه مثلا وزارة الشباب والرياضة من ميزانية رعاية النشاطات الرياضية، فكيف يمكن ان يكون الركض من اجل لبنان؟ وماذا يعني ان يجتمع الآلاف ليركضوا سوية؟ الا ان كان لمجرد الاحساس بانهم يقومون بشيء بهيج في بلد لم يعد باستطاعته ان يؤمن لهم حتى بعض الفرح المجاني؟ ربما كان على الماراتون ان يسمى: الركض بالرغم من انك في لبنان. عندها يصبح الامر مفهوما.. من يدري ربما ايضا كنا لنشارك فيه!

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/18/2013 8:41:58 AM

بس سؤال الى ضحى شمس انت شو بتعتبر حالك ؟ اعلامية ؟ صحافية ؟ نجمة ؟ عنجد شو ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ يا دلي عليك وعلى كتاباتك .........

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/18/2013 4:13:02 PM

سؤال صعب بالحقيقة: انا شو؟ صحفية؟ اعلامية؟ نجمة؟ والاهم شو هو دافع السؤال؟ هل هو الاستياء؟ الارجح. وما سبب هذا الاستياء من مقالة تقدم فكرة؟ آآه نسيت.. الارجح ان السائل كان في الماراتون...وقمح!

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/17/2013 10:44:52 PM

إذهب للبقال داخل الأحياء الفقيرة واطلب من صاحب البقالة دفتر المديونات لزبائنه ستجد أرامل وفقراء يشترون بالدين ستجد المبلغ بسيط في نظرك لكنه ثقيل في حياتهم قم بتسديد المديونات التي تسطيع سدادها أو حتى ولو جزء منها وقم بحذفها من الدفتر

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/17/2013 10:50:33 AM

لماذا نبحث عن قهوة الانتظار ولدينا ما هو أفضل بكثير... "الزكاة"!! ستقولين: ليس الجميع مسلمين في لبنان، فأقول: وهل الجميع فرنسيون في لبنان كي نأتي بحل أوروبي؟؟ ثم لنسمها "ضريبة ثراء" مثلاً إن كانت المشكلة في التسمية. الزكاة ببساطة هي مبلغ (يعادل 2.5% من الثروة) مستحق فقط على من يستوفون مقداراً معيناً من الثراء أو لنقل "الاكتفاء" المادي (يعني الطبقة المترفة وجزء من الطبقة المتوسطة القادرة على الادخار)... فلو أدى كل لبناني "مقتدر" زكاته (ولو حتى بنسبة 1% وليس 2.5%)، وذهبت فعلاً إلى المحتاجين... أنا أكيد أن مستويات الفقر ستتناقص بشكل كبير. وشوفي كم فنجان قهوة وصحن بطاطا راح نأمن. يبقى هناك السؤال الأزلي حول أمانة الجهات التي تدير هذه الأموال، وتوزيعها للمستحقين فعلاً.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

ز . برغوثي ز . برغوثي - 11/16/2013 5:30:38 AM

شكرا يا ضحى هداني أليك شذى قهوتك

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/12/2013 12:47:33 PM

عزيزتي ضحى، أشارك تيما حساباتها، وأضيف نقطة أخرى: من المعروف أنّنا حين ندفع ثمن ما نأكله أو نشربه في مطعم أو مقهى فإنّنا لا ندفع فقط ثمن تكلفته الفعليّة، فهناك طبعا هامش ربح معتبَر، وعليه فإنّه في حال القيام بالتبرّع المشار إليه في هذا المقال فإنّ المتبرّع يكلّف نفسه "تبرّعا" إضافيّا لا يذهب إلى المحتاج إطلاقا. إذن لا يزال البحث جاريا عن التبرّع "الرشيد".

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

ضحى شمس ضحى شمس - 11/14/2013 11:54:19 AM

العزيزة هيفاء صح كالعادة. احب احساسك بالعدل. لكن اي شيء يباع ، عليه رسوم للدولة يدفعه المطعم. بس ممكن نعمل اتفاق مع الوزارة (الاقتصاد ووزارة الشؤون الاجتماعية)ع اساس اعفاء السندويش او الطبق بالانتظار من هـذه الرسوم. ما يشجع على القيام بهذه الحركة اكثر...بعدين اشتقنالك.. شو رايك تعملي مشوار لعنا؟

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/12/2013 6:57:43 AM

مواضيعك دائما مشوقة يا ست ضحى , ولكن هذا الموضوع صعب التطبيق في لبنان , لاسباب عدة منها: اولا : الشعب اللبناني وخاصة الاغنياء لا يتبرعون بأموالهم , والعكس صحيح هم ينتظرون أية فرصة لانتزاع اللقمة من افواه الفقراء. ثانيا: لا ثقة بأصحاب المطاعم لانهم بعد يقبضوا ثمن الطعام " اذا تبرع احد اصلا" ان يقدموا الطعام للفقراء او يسمحوا لهم ان يجلسوا ويتناولوها مع الزبائن الاخرين . ثالثا: وكما اسلفنا اذا وجد المتبرع ووافق اصحاب المطاعم على هذه الفكرة, سيحتال الكثيرون ويدعون الحاجة ليأكلوا مجانا . وللتذكير فقط وليس للتشهير كم من العائلات اللبنانية قبيل النزوج الفلسطيني الى لبنان في العام 1948 تخلوا عن جنسياتهم اللبنانية ليحصلوا على البطاقة الفلسطينية للحصول على المعونات من وكالة الاونرا..

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/14/2013 11:43:35 AM

العزيزة تيما صحيح. كل تلك المخاوف مبررة. لكن اتظنين ان من هم في فرنسا او بلجيكا افضل بكثير؟ ما يمنع الغش هو حسن التنظيم: ببساطة نستطيع ان نجد طريقة للتنظيم من نوع اعطاء وصل للمتبرع يضعه في صندوق زجاجي بالمحل نفسه مخصص للاكل المدفوع مسبقا بشكل يتيح لمن ير الصندوق الزجاجي ان يعلم انه باستطاعته ان يطلب .. اما بالنسبة لمن قد يستهلكون المساعدات بدون ان يكونوا فقراء كما تقولين فانني اظن ان من يفعل ذلك هو ايضا وبشكل ما فقير. فالفقر لا يعني مستوى محدد. ان كان بحاجة؟ فليتفضل. هذا هامش صغير بالنسبة للحركة ان كانت واسعة..

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/10/2013 2:07:40 PM

برافو. بيجنن مقالك ضحى.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/11/2013 4:49:54 PM

شكرااا يا استاذ سماح مودتي

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

عبد عبد - 11/10/2013 2:01:17 PM

كل سنة نفس القصة نبقى ساعة نبرم بالشوارع لحتى نروح عشغلنا يوم الاحد وبتسال الشرطي بتوصل فيه مرات بقلك "مسكرة طلع ع طرابلس وبعدني بتنزل عبيروت لتوصل عمنطقة الحمراء .. كل سنة بصير في احتلال لشوارع بيروت ليوم واحد من بعض الاشخاص الذين هم بالغنى ان يعملوا يوم الاحد .. الله لا يسامح كل شخص بيشارك بهيدا السباق و الله يفرجي القيمين على هيدا السباق يوم يبقوا يبرموا فيه بالطرقات لحتى يوصلوا عبيتهم حتى يحسوا بمعاناة غيرهم ...

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

فيصل باشا/برلين فيصل باشا/برلين - 11/10/2013 11:39:03 AM

الإحساس بمعانات الآخرين هو حس إنساني اولا وبأمتياز،ولكن الهيئة في لبنان من الصعب جداً ان يطبق هذا المبدأ (بالأنتظار) بأنتظار ان يأتي محتاج لكي ينال فنجان من القهوة او طعام مجاني (مدفوع سلفا)لان الناس أنفسهم لا يملكون وثانياً لانها ظاهرة غريبة،فنحن لا نأخذ الا القشور من المجتمعات الغربية. لماذا نستورد أصلا ً فلدينا اختراعات جمة بما خص الانتظار فهو سلوك جماعي لدينا: بدءا بالانتظام بالانتظار بالنظارة في المدرسة،بالمخفر،في قاعة المطار،عند الدكتور،بأنتظار الأزمة السورية وضع لبنان في قاعة الانتظار،وكل الساسة ينتظرون،والأسد ينتظر من ميشال دليل، وميشال ينتظر هاتف منه.وواحد ينتظرالجثث،وآخر ينتظر سقوط دمشق ليهبط بمطارها. كان الله يحب المنتظرين،كل يوم. بيدخل علي الأمين وبيسأل طاولة زياد اجى اليوم فترد الطاولة وانا ناطرته،وقراء الاخبار كذلك ينتظرون زياد بالانتظار،عله بعد هذا الانتظار ينظر لحالنا،بعد ان رنا يرنو انتظاراً.فمتى سوف يحنو.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/18/2013 7:54:56 AM

معك حق خيي فيصل بس كل هالانتظارات يللي عديتن ولا واحدة في وراها سندويشة سجق او شي حبة بطاطا وبعدها فنجان قهوة. اللهم الا اذا حسبنا الانتظار عند الامن العام عندما يطلبوك لتشرب فنجان قهوة عندهم. فنجان قهوة عالريحة وسكر زيادة لو سمحت يا افندي. وخود يا خبيط وخود يا ضرب. ويا هويدالك يا هويدالي. قال شو قال عالريحة. وشكرا.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/10/2013 7:49:47 AM

رائعة كعادتك يا عزيزتي ضحى. لقد شاهدت برنامجا هنا في واشنطن عن " قهوة بالانتظار" في احدى الدول الأوربية وفكرت مثلك، ماذا لو طبقنا هذه الفكرة في بلادنا؟؟؟ ورغم ان هناك برامج كثيرة هنا في أمريكا خاصة ايام الشتاء الباردة والأعياد لإطعام الفقراء والمحتاجين فيما يسمى soup kitchen ، الا ان الفكرة الأوربية على بساطتها رائعة اكثر لان الفقير يستطيع ان يشرب ويأكل في نفس المقهى او المطعم الذي اكل فيه المتبرع وليس في أماكن مخصصة للفقراء.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

H H - 11/9/2013 5:16:08 PM

متميّزة وأفكارك جميلة كما روحك يجب ان نطلب نحن اللبنانيون، حضارة وتعاطف بالانتظار دمتي ضحى

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم