للوهلة الأولى، يبدو كأنّ عطلاً تقنياً، أدخل صوت المذيع الرياضي في «المؤسسة اللبنانية للإرسال» غياث ديبرا على صور الانفجارين اللذين استهدفا السفارة الإيرانية أمس. الصوت المألوف في ملاعب الرياضة بدا دخيلاً على الصورة التي تحمل الكثير من الموت والدمار والدم المسفوك.ربما هو عطل تقني، يقول المشاهد، قبل أن تنجلي الصورة، فينتقل المخرج إلى داخل الاستوديو، لنرى الإعلامية ديما صادق وهي تحاور غياث ديبرا في مسألة «حساسة» وعلى علاقة مباشرة بالحدث الجلل، وهي مباراة كرة القدم في تصفيات آسيا بين منتخبي لبنان وإيران.

يحلل ديبرا احتمالات تأجيل هذه المباراة «المصيرية» بالنسبة إلى الفريقين. يقول في النهاية إنّ المباراة لن تؤجل؛ لأنّ الاتحاد الآسيوي لن يسمح بذلك، لكنها مع ذلك ستكون صعبة جداً على الفريقين؛ لأن التفجير أصابهما معاً، فهو وقع في لبنان واستهدف السفارة الإيرانية، والشهداء الضحايا من الطرفين.
لوهلة أيضاً، يعطي المشاهد أسباباً تخفيفية لهذا التداخل المقصود بين الرياضة والمجزرة، بين كرة القدم وكرة النار التي تتدحرج وتتعاظم، بين مباراة لبنان وإيران، وبين مباراة أخرى دموية تجري على الأرض اللبنانية، بلاعبين خارجيين.
المصادفة واقعة لا محالة، والمباراة تتزامن فعلاً مع الانفجار، وهناك طبعاً إشكالية في تأجيل المباراة أو الإبقاء عليها، لكن هل يريد المشاهد معرفة شيء عن كل هذا؟ هل حقاً يهمّ المشاهد، سواء أتأجلت مباراة لبنان وإيران، أم لم تتأجل؟ هل تعني له شيئاً تلك المصادفة «الغريبة» كما وصفها ديبرا، وقصد فيها تزامن الانفجار مع المباراة؟
والأنكى يتبدى حينما يبدأ المذيع الرياضي الشهير بإعطاء أسباب موجبة ــ بنظره ــ لإقامة المباراة في موعدها، محذراً من أنّ لبنان سيخسر «أفضلية الأرض» إذا ما تأجلت المباراة! لبنان، يا زميلنا غياث، لم يربح يوماً أفضلية الأرض، ولا السماء، ولا الجو. ولم «يلعب» يوماً على أرضه وبين جمهوره.
لا جمهور للبنان على هذه الأرض المستباحة تماماً من كل أجهزة الاستخبارات في العالم التي تسجل كلها أهدافاً تلو الأهداف في شباكنا، حتى مزّقتها تماماً.
بينما كان غياث ديبرا يتحدث عن مباراة لبنان وإيران على ملعب المدينة الرياضية، سجلت «سرايا عبد الله عزّام» هدفين في المرمى الإيراني. وتمزقت الشباك اللبنانية. لكن المباراة لا تزال طويلة، وطويلة جداً، ولن يحسمها وقت إضافي، ولا ركلات ترجيح. فما همّنا لو تأجلت مباراة لبنان وإيران؟ ما همّنا يا غياث؟!