لم يكن أحد يتوقّع ان السعودية، ومن معها في حلف تدمير سوريا والعراق ولبنان، يمكن ان ترتدع عن شيء. لكن احداً لم يتوقع ان تبادر مملكة القهر بالمسارعة الى نقل المعركة نحو مرحلة جديدة. بينها فتح الباب امام محاولة تعميم تجربة «انتحاريون في العراق» نحو لبنان، كما هي الحال في سوريا، وكما يجري العمل بقوة، الآن، في اليمن. حتى مساء امس، لم تكن السعودية قد ادانت الجريمة البشعة، وهي لم تفعل ذلك يوم تفجير الرويس. اصلاً، من يقابل السعوديين على مختلف مستوياتهم في الحكم، يسمع كل انواع التبرير والتغطية لهذه الجرائم.
وهو ما يكرّره أزلام الرياض في بيروت من ان المسؤولية تقع على عاتق حزب الله. هؤلاء، لا يدرون ــ او انهم يدرون ولا يهتمون ــ بأنهم لا يوفّرون الغطاء السياسي فقط، ولا الدعم اللوجستي والمالي، بل يقولون للأدوات المفجّرة انهم لن يتنصّلوا منهم، وسيرفضون ادانة جرائمهم، وسيحمّلون القتيل مسؤولية مقتله.
واذا كانت المواجهة المفتوحة في سوريا تتيح استنتاج أن جماعات متضرّرة تريد توجيه ضربات مباشرة الى حزب الله، على خلفية مشاركته في القتال هناك، فلا أحد يمكن ان يكون عاقلاً ويقبل ان يتحول الرد جرائم عشوائية مفتوحة ضد المدنيين. لكن يبدو ان من يملك القرار ليس مهتماً لا بالمدنيين، ولا بأي شيء آخر. بل قرر ان يتقدم خطوة كبيرة نحو بوابة الانتحار. والا فمن هو العبقري الذي قرر الدخول مباشرة في مواجهة مباشرة وبجريمة مباشرة ضد ايران؟
لا حاجة للعودة الى الخلف. بل هناك حاجة الى توضيحات هادئة لأمور عدة:
اولاً: ان أهداف المعركة القائمة في سوريا لن تخضع لابتزاز دموي كالحاصل الآن. بمعنى أوضح: مغفّل من يعتقد بأن ايران او حزب الله سيبدّلان موقفهما من الأزمة السورية ربطاً بهذه الجرائم، وبالتالي، فإن مسار الاحداث في سوريا سيستمر على المنوال القائم حالياً، وحيث مؤشرات الاسبوع الماضي تقود الى مفاجآت لم تكن متوقعة لناحية حجم الانهيار الذي اصاب المجموعات المسلحة المعادية للحكم والمقاومة. وهو الانهيار الذي تجلّى هروباً جماعياً من ساحات المواجهات في ريف دمشق وبالقرب من لبنان كما في حلب وبقية المناطق.
ثانياً: ان النتائج السياسية لما يجري الآن في سوريا، لن تعدل فيها جرائم من هذا النوع. لا بل على العكس، فإن المعطيات التي تعرفها السعودية، قبل غيرها، تشير الى مزيد من التقدم لمصلحة محور المقاومة، والى مزيد من التراجع والخسائر في صفوف المحور المقابل. وهذا الامر سيُظهّر في نوع الاتفاق المرتقب بين ايران ودول الغرب، كما في مستقبل البحث في الحل السياسي للأزمة السورية.
ثالثاً: ان توتر السعودية وفريقها في الاقليم، وفي لبنان وسوريا، سيكون امام استحقاقات جديدة، لأن نقل المعركة الى هذا المستوى، وتوسيع رقعة النار من العراق الى سوريا ولبنان وصولا الى اليمن والبحرين، سيكون له مقلبه الاخر، وهو أمر لا يعتقد كثيرون ان في مقدور مملكة القهر تحمّله.
رابعاً: ان استسهال جهات لبنانية، سياسية او رسمية او شعبية، التعامل بخفة مع هذا النوع من الجرائم، واللجوء الى تبريرها والتغطية عليها، واظهار علامات التشفي جراء ما يحصل، يدفعها الى موقع الشريك في الجرائم. وهي شراكة لها ثمنها الحقيقي الذي يبدأ بتولّي الجناح التكفيري سدّة القيادة، وعندها لا اعتدال ولا من يعتدلون، ويمر بجعل هذا الجمهور وأمكنته قواعد فيها نظام حياة مختلف وخاص، وفيها قواعد لكل انواع الارهاب والاجرام، وصولاً الى جعل المجموع مسؤولاً عن جرائم افراد.
خامساً: ان الامن الوقائي الذي يقوم به حزب الله، ومعه قوى وأجهزة امنية لبنانية رسمية، نجح في تعطيل الكثير من الاعمال الارهابية. لكن فتح الباب امام مسلسل الانتحاريين، سيفرض على هذه الجهة اللجوء الى العمل الردعي الاستباقي، وهو المفهوم الذي له ما له في مواجهة مجانين يستعجلون لقاء الله!
سادساً: يبدو أن الجبهة العالمية لتدمير المشرق العربي، قررت استعجال معركة دموية مع ايران. وللأخيرة طرقها وآليات عملها ومنظومة الردع الخاصة بها. ولن يكون لبنان بالتأكيد ساحة لترجمة ذلك.
أخيراً، يتضح من توتر وجنون السعودية، ومن معها، أن خسارة مشروع اسقاط سوريا ستفرض علينا انتظار موجات اضافية من الجنون على شكل «مكرمات ملكية» باللون الاحمر!