أحال النائب العام لدى محكمة التمييز (السابق)، القاضي حاتم ماضي، على هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لدى مصرف لبنان، تباعاً، وبعد تحقيقات استغرقت شهوراً طويلة، لوائح (عدّة) تضمنت أسماء 437 شخصاً استفادوا بطريقة أو بأخرى من الأموال المشكوك باختلاسها في بنك المدينة وشقيقه بنك الاعتماد المتحد.
وطلب القاضي ماضي من الهيئة، بموجب كتب رسمية، التدقيق في وضعية هؤلاء الأشخاص وحساباتهم لمعرفة مدى انطباق أحكام الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 318 (مكافحة تبييض الأموال) على الأموال التي تقاضوها على مدى سنوات (قبل انهيار هذين البنكين ووضع اليد عليهما)، وقدّرت هذه الأموال، بحسب اللوائح، بنحو 644 مليوناً و533 ألفاً و270 دولاراً، موزّعة بين مقبوضات بالليرة اللبنانية أو الدولار الأميركي أو اليورو.
«الأخبار» حصلت على الأسماء الواردة في هذه اللوائح من مصادرها «الرسمية»، وتنشرها أدناه وفقاً لترتيبها بحسب الأحرف الأبجدية اللاتينية، وهي تتضمن أسماء سياسيين وضباط وإداريين ورجال أعمال وموظفين عامين (أو واجهات لهم أو عاملين لديهم أو أفراد من عائلاتهم)، فضلاً عن أسماء أشخاص غير معروفين قد يكونون لعبوا أدواراً معينة لحسابهم أو لحساب الغير، أو جرى توريطهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
وبالاستناد إلى المصادر الرسمية، لا بد من توضيح الآتي:
- لم يصدر أي ادعاء أو إدانة بحق أي شخص من الأشخاص الواردة أسماؤهم في هذه اللوائح، وبالتالي إن جميع هؤلاء (من منظور القانون) غير مدانين بأي حكم أو قرار قضائي، بل هم من أصحاب الحسابات أو الشيكات أو التحويلات المشتبه في أنها استُخدمت بهدف اختلاس الأموال أو تبييضها أو الانتفاع منها بوسائل غير مشروعة أو نتيجة تحايل ورشى وفساد ومحسوبية و«تبرعات» و«هدايا».
- جرى التوصل إلى هذه الأسماء وتحديدها من خلال عملية تدقيق وتصفية واسعة وشاملة، قامت بها لجنة من الخبراء كلّفها النائب العام التمييزي السابق، القاضي سعيد ميرزا، إجراء الدراسات والمراجعات الحسابية والفنية، وجدد القاضي ماضي تكليفها، وطاولت أعمالها آلافاً كثيرة من الحسابات المصرفية والشيكات والدفاتر والعمليات المختلفة الحاصلة داخل بنك المدينة وبنك الاعتماد المتحد وعبرهما، وبينهما وبين بنوك أخرى في لبنان والخارج، وعبر بنوك أخرى وشركات صيرفة وشركات تجارية وبيوعات لأسهم وسندات وصكوك وعقارات وسيارات وسلع مختلفة... كذلك استندت إلى كمّ هائل من محاضر التحقيقات والدعاوى القضائية والتقارير الداخلية في البنكين، وإفادات البنوك الأخرى عن حسابات وعمليات محددة وتقارير لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة وقرارات الهيئة المصرفية العليا.
- المبالغ الواردة لكل اسم هي حصيلة إجمالية لما دُقِّق واشتُبه فيه، وبالتالي لا تشمل هذه المبالغ كل الحسابات والعمليات. وكذلك قد يكون للشخص الواحد أكثر من عملية أو حساب مشتبه فيه.
- في هذه اللوائح حسابات وهمية لبعض الأشخاص، وتوجد مبالغ تعود إلى عمليات تبدو في ظاهرها «نظامية»، كعمليات شراء وبيع عقارات، إلا أن الشبهة انطلقت من واقع أن الأسعار التي حددت لها تفوق بأضعاف الأسعار الرائجة. كذلك توجد مبالغ سددت لأشخاص من دون أي مقابل لها (تقاضوها بلا سبب واضح)، وبعضها استخدم لشراء شقق أو أراضٍ أو سيارات وتوزيعها بصفتها «هدايا».
- ترد في اللوائح أسماء أشخاص أو شركات ليست متورطة بالضرورة، بل جرى من خلالها صرف أو تسديد أموال مختلسة. وترد أسماء مصارف جرى عبرها أو إليها تحويل أموال مختلسة، من دون توجيه أي اتهامات محددة بتورط أصحاب المصرف أو عاملين فيه... إلخ.
هذه الملاحظات، بحسب المصادر الرسمية، لا تؤثّر في الأدلّة المثبتة. إن جميع هذه المبالغ هي مختلسة من ودائع بنكَي المدينة والاعتماد المتحد ومن أموالهما الخاصة، حتى ولو أن بعض المستفيدين منها يمتلكون الغطاء القانوني (بمعنى ما) لعمليات قاموا بها أو شاركوا فيها، ولا سيما العمليات العقارية التي تعدّ الأسلوب الأكثر انتشاراً لتبييض الأموال في لبنان والعالم. كذلك إن هذه المبالغ لا تمثل مجمل المبالغ المختلسة أو المبيضة، بل ما جرى التوصل إليه حتى الآن.
لماذا سرّبت اللوائح، ولماذا تنشرها «الأخبار» في هذا التوقيت بالذات؟
في الوقت الذي يتعاظم فيه تآكل الدولة ومشروعيتها، ويُهدَم ما بقي من أثر لها، ويُزَجّ اللبنانيون في المزيد من الأزمات والصراعات المدمّرة ويُربَط مصيرهم برهانات وارتهانات تتصل بمصالح خارجية ومصالح شخصية وخاصّة... هناك من هو مشغول في «نتش» ما بقي من منافع، ولفلفة ما فُرض فتحه من ملفات سالفة. يأتي ملف بنكي المدينة والاعتماد المتحد في مقدّمة الملفات المطلوب التخلّص منها الآن، وفي هذا الوقت، حيث الناس مشغولون بتوفير سبل العيش والأمن والإفلات من العقاب الجماعي المفروض عليهم.
تفيد المعلومات المستقاة من أكثر من مصدر معنيّ، بأن الإجراءات القضائية التي أدارها ميرزا، وبعده ماضي، لم تكن جدّية، وبالتالي لم يكن ممكناً توقع الوصول إلى محاكمة عادلة ومساءلة ضرورية لكل من شارك في اختلاس الأموال وتبييضها واستعمالها في شراء الذمم والضمائر وتمويل الأعمال المشبوهة والمضرة بالمجتمع والاقتصاد. وبالتالي انحصرت الإجراءات بالجانب الإعلامي «الاستعراضي» لتنتهي من حيث بدأت، وتعيد دورتها مجدداً، مراراً وتكراراً، بلا نتيجة واضحة.
الملف عاد إلى هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، وهي تمتلك أصلاً معلومات ومعطيات تفيض عمّا توصلت إليه التحقيقات القضائية بأضعاف مضاعفة. في حين أن حاكمية مصرف لبنان تجري مفاوضات حثيثة مع مالكي البنكين للتخلص منهما وإنهاء ملفاتهما، وتشترط لتسوية أوضاع المالكين، بحسب مصادرهم، شطب الرخصتين كلياً وإنهاء أي أثر لوجود البنكين، أو بمعنى أوضح، التخلص من أرشيفهما والتعامل مع القضية كلّها، كما لو أنها لم تكن.
نحن الآن في أواخر عام 2013، إلا أن فضيحة البنكين بدأت تتكشف فعلياً منذ مطلع عام 2000، أي إنه مضى عليها 14 عاماً حتى الآن، ولم يتخذ أي تدبير ينطوي على محاسبة، ما عدا مصادرة أموال وعقارات تعود إلى أصحاب البنكين والمتورطة الرئيسية رنا قليلات، وعدد من المتورطين من عائلتها (طه وباسل قليلات) وآخرين ثبت أنهم كانت لهم اليد الطولى في الاختلاس وعمليات تبيض الأموال وجرائم مالية أخرى... وعلى الرغم من وجود مئات الدعاوى القضائية، إلا أن أي متهم رئيسي في هذا الملف لم يوقَف، بل إن رنا قليلات التي سُجنت لفترة وجيزة أُطلق سراحها وهربت إلى البرازيل حيث تعيش حالياً، فيما أشخاص معروفون واردة أسماء بعضهم في هذه اللوائح حُرِّرت ممتلكاتهم وحساباتهم المجمّدة من دون أي تبرير.
لقد سبق لهيئة التحقيق الخاصة أن أحالت ملفات البنكين على النائب العام التمييزي في 7/2/2003، ولأسباب لم توضَح، استُردَّت هذه الملفات في 10/2/2003، أي بعد 3 أيام فقط. ثم عادت الهيئة وأحالت الملفات مجدداً على النيابة العامة في 16/1/2006 لتعود إليها حالياً... في هذا الوقت كله، يتردد أن كلفة إدارة هذه الملفات وإدارة البنكين المؤقتة تجاوزت 200 مليون دولار، وهي أموال مهدورة، فهل يعدّ كل ذلك سبباً كافياً لإعادة طرح «الملفات» إعلامياً؟

■ للاطلاع على الجدول أنقر هنا