أخيراً، تُرجم نصّ «طقوس الإشارات والتحولات» (1994) لسعد الله ونوس (1941 ـــ 1997) الى الإنكليزية على يد المترجمين ندى صعب والكاتب المسرحي الأميركي روبرت مايرز اللذين حظيا بتمويل لمشروع الترجمة من McArthur Foundation الأميركية. المشروع نال نصيبه في التنفيذ وسيعرض للمرة الأولى باللغة الإنكليزية مساء الغد على خشبة «مسرح بابل». هكذا، تفتتح سحر عساف باكورة أعمالها الإخراجية مع ممثلين محترفين (بطولة يارا بو نصّار، إيلي يوسف، ديما متّى، بشارة عطا الله، مازن زهر الدين) وطلاّب لها من الجامعة الأميركية (AUB ــ الجهة المنتجة)، بعدما تشاركت قبل أشهر في الإخراج مع زينة دكاش في عرض مسرحية نفِّذت بمقترب علاجي لنزلاء «مستشفى الفنار للأمراض العقلية».
«طقوس الإشارات والتحولات» هي المسرحية العربية الثالثة التي ترجمت الى الإنكليزية على يد صعب ومايرز بعد «حمام بغدادي» لجواد الأسدي و«الدكتاتور» لعصام محفوظ. وقد عبّر مايرز عن أهمية ذلك في نشر الوعي في العالم الغربي حول حقيقة العالم العربي من خلال ما يحمل النص من تاريخ ثقافي وصراعات سكان هذه المنطقة. يقول مايرز لـ «الأخبار»: «هناك مفاهيم مغلوطة لدى الناس في الغرب حول ما يجري هنا وليس لديهم أي تصور لتركيبة الحياة في العالم العربي. كل ما يعرفونه هو ما يظهر في الإعلام اليوم من دون دراية عن ماضي المنطقة التي قد تكون سبباً في ما آلت اليه اليوم». كما يرى أنّ أهمية العمل على المسرحية اليوم تحديداً هو أنّها تحمل بذور التحول والرغبة في التغيير، إضافة الى أنّها تعكس حقيقة العناصر الاجتماعية والثقافية المعقدة التي لا يمكن أن تحملها نشرات الأخبار الى الغرب، لافتاً الى أنّ ونوس كان يحتضر وهو يكتب المسرحية، مما كان ربما دافعاً له الى تعرية المجتمع العربي وفضح الرغبات فيه: «في هذه المسرحية، يضع ونوس الشخصيات في حوار يدور حول ما لا تستطيع الإفصاح عنه عادةً كالرغبة والدعارة والمثلية الجنسية والفساد». أما بالنسبة إلى التحديات التي واجهت المترجمين في الحفاظ على خصوصية الجانب الثقافي وتعاملهما مع اللغة، فرأى أنّه رغم تعقيد اللغة العربية واعتبار بعض الناس أنّ النص يفقد معاني كثيرة في عملية الترجمة، إلا أنّ النص المترجم يضيف إلى النص الأصلي على نحو عام لأنّه يمنحه حياة جديدة ومختلفة، وخصوصاً أنّ اللغة الإنكليزية غنية جداً، ما جعل نصّ ونوس المترجَم نتاجاً معاصراً لمسرحيات شكسبير. يقول مايرز «هدفنا كمترجمين أن نعطي الحياة للنص المترجم بدلاً من ترجمة معاني الكلمات على نحو حرفي. عملية الترجمة تمرّس أدبي لا تقني بحت». ترجمة النص التي استغرقت حوالى عام ونصف عام ستطبعها جامعة City University في نيويورك، وستقيم قراءة لها في شهر كانون الثاني (يناير) هناك، وفي شهر آذار (مارس) في شيكاغو، كما سينشر النص ضمن أنطولوجيا ترجمات لنصوص أخرى لونّوس باللغة الإنكليزية.
أما المخرجة سحر عساف، فترى أن النصّ المترجم سينال أهمية كبيرة في العالم الغربي رغم خصوصيته العربية، لما يطرحه من مواضيع عامة مثل المثلية الجنسية والفساد الديني والسياسي والرشوة. والأهم من هذا كله ـ بحسب عساف ـ هو تركيب الشخصيات المعقدة التي تغيّرت عوالمها وسرعان ما نظرت الى ما في داخلها. بالنسبة إلى مضمون النص وتماشيه مع أحداث اليوم، تقول عساف إنّها عملت جاهدةً على وضع مسافة بين المتفرج والعرض من خلال استخدام بعض تقنيات الإبعاد (بالمفهوم البريختي) من خلال ترك المسرحية في سياقها المكاني والزمني (سوريا في القرن التاسع عشر) والعمل على موسيقى تعلّق على الحدث، بدلاً من موسيقى تغرق المتفرّج فيه. إلا أنّها حافظت على الجدار الرابع لأنها تريد المتفرّج أن يغوص في هذه الحقبة الزمنية البعيدة، مما يجعله يرى الأمور على مسافة أوضح. وتأكيداً على ذلك، عملت عساف ـ بحسب قولها ــ على ربط المشاهد على نحو انسيابي لتكون متداخلة من دون فصل واضح بين بداياتها ونهاياتها. أما مدة العرض، فتفوق الساعتين وهو قلّما نشاهده في مسرحيات اليوم. إلا أنّ المخرجة اختارت هذه المخاطرة مع الجمهور لمصلحة شخصيات ونوس التي تكتشف تحولاتها ببطء. لذا، رأت أن عملية أي بتر لهذه التحولات ستظلم الشخصيات. وحول الرسالة التي توجّهها عساف اليوم من خلال عرض المسرحية، ختمت قائلة إنّه «رغم اعتبار كثيرين أنّ المسرحية تراجيدية حيث تموت شخصياتها في النهاية، إلا أنّني أرى فيها الكثير من الأمل، لأنه يستحيل أن يكمل المجتمع الحياة على نحو مستلب بعد موت ألماسة مثلاً، إذ إن موتها يمثل الحجر الأساس للتغيير مثلما كان موت محمد البوعزيزي انطلاقة جديدة للتغيير». وأكّدت على ذلك بمقولة ونوس الشهيرة: «نحن محكومون بالأمل».



«طقوس الإشارات والتحولات»: بدءاً من الـ 20:00 من مساء الغد حتى 8 ك1 (ديسمبر) ــ «مسرح بابل» (الحمرا ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/744033