الغريق يتعلق بقشة، وحكومة البحرين، التي صار لها ناطقة متيمة بإجرام صدام حسين، تتعلق باعتذار تعلنه هي وتنشره هي، وكأنها بحاجة إلى أن تلعق جراحها. اعتذار «المنار» مصدره الأول (والوحيد) كان وكالة أنباء البحرين الرسمية، وهي الوكالة التي اضطرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان نانفي بيلاي إلى نشر بيان تكذيب حاد اللهجة لبيان وزعته باسمها، وكذلك اضطر وزير الثقافة التونسي، وأعضاء من حملة «تمرد المصرية»... وتطول القائمة. لكن المتحدثة باسم الحكومة سميرة رجب تقول إن حكومتها تقبل اعتذار المنار وإذاعة النور لإبداء «حسن النوايا» شرط «عدم انتهاك المواثيق مرة أخرى».
يأتي هذا الخبر متزامناً مع «حوار المنامة» (6 ــ 8 كانون الأول/ ديسمبر) وهي المناسبة التي استغلتها منظمة «مراسلون بلا حدود» لتراسل وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، لتذكّره بالوضع المزري لحرية الإعلام في البحرين، مضمّنة رسالتها قصصاً لسبعة إعلاميين ومدونين لا يزالون قيد الاعتقال ويتعرضون للتعذيب، وهو ما يبدو متسقاً مع منهج حكومة السيدة رجب ومواثيقها الإعلامية. غير أن هذا التصريح يأتي أيضاً بعيد احتفال البحرينيين بالذكرى الثانية على بصقة الملك حمد بن عيسى على ما عرف بتقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق (تقرير بسيوني)، والذي تضمن فصلاً كاملاً عن خروق ليس لـ«مواثيق إعلامية»، بل لأجساد إعلاميين ومثقفين كانوا في سجون حكومة البحرين (الزعلانة)، تضم رفاتهم المبجل تربة البحرين اليوم، كالمدون زكريا العشيري والناشر كريم فخراوي، والذي لا تزال محاكم حكومة الملك تتفنن في تخفيض الأحكام عن أكباش الفداء من صغار الشرطيين حتى وصلت قيمة النفس إلى ستة أشهر قابلة للتخفيض، بل والعفو (السامي).
بصقة الملك على تقرير بسيوني لا تزال تلوكها سميرة رجب، ويتمضمض بها مستشار الملك لشؤون الإعلام، وصاحب امتياز صحيفة «الأيام»، الإيراني الأصل، نبيل بن يعقوب الحمر. فقد اختار الأخير أن يسبق وكالة أنباء البحرين في نشر الخبر بعد أن كلف بإعلان رفض النظام لمبادرة الجمعيات السياسية الخمس لفك الأزمة السياسية/ الأمنية التي تعصف بالبلد منذ الانفجار الثوري في 14 فبراير شباط 2011، لتتسلم صحيفته «الأيام»، المتهمة بعدم سداد فواتير الكهرباء والماء ورسوم الإيجار عن مبناها في الجفير منذ ما يربو على عشرين سنة، والتي يرأس إدارتها أخوه الذي لا يتقن العربية لا كتابة ولا فهماً كما تشي بذلك مراهقاته وسبابه للمعارضين على «تويتر»، تتسلم جائزة «المحتوى الإلكتروني» لعام 2013.
إلا أن الضغوط السعو ـــ بحرينية لطرد قناة المنار وإذاعة النور من اتحاد الإذاعات العربية ليست مستبعدة. فعلاقة النظام البحريني المحرك سعودياً بـ«المواثيق الإعلامية» تتعدى استهداف الكتاب والصحافة والمعارضين إلى حرب الفضاء الإعلامي. فقد كشفت قناة اللؤلؤة البحرينية الفضائية، ومقرها لندن، عن وثيقة من الشركة المديرة لقمر «هوت بيرد»، تفيد أن التشويش الدائم على قمرها الاصطناعي، وتحديداً الباقة التي تضم برامج قناة اللؤلؤة، مصدره الجغرافي جزيرة البحرين، أم المواثيق الإعلامية.
مواثيق نظام البحرين الإعلامية، العظيمة، لا تستعدي إذاعة المنار والنور، فهي مستعدة كما يبدو للتعلق بقشة الاعتذار المزعوم بقدر استعدادها لاعتقال فريق القناة البريطانية الرابعة، وفريق قناة «سي أن أن»، بل ومطاردة مخرجة فيلم الجزيرة الوثائقي الشهير لكي يبقى عنوانه السمة الأبرز لما يدور في البحرين: «صراخ في الظلام». الموت للشعوب، وتعيش المواثيق الإعلامية.
* ناشط بحريني