يقول كثيرون، وهم لم يموتوا بالمناسبة، ولم يجربوا الموت قبلاً، إنه (الموت) في حالات الإنفجارات، يكون كومضة سريعة، كفلاش كاميرا تصوير، لحظة خاطفة، لا يشعر معها الميت بشيء، ويرتفع شهيداً، كما حدث مع الوزير السابق محمد شطح ومرافقيه. لكن، إن صحّ هذا الوصف للحظة الموت بانفجار سيارة مفخخة، فلا شكّ أنها ليست حال الشاب محمد الشعار الذي صادف وجوده مع أصدقائه في مكان الإنفجار لحظة وقوعه، وصادف أن التقطت الكاميرا، لحظة تأبيدية لهؤلاء الشبان، قبيل لحظات من وقوع الإنفجار، ويظهر معهم محمد بسترة حمراء، قبل أن تصيبه شظية من الإنفجار ويسبح في دمه على قارعة الطريق، كما يظهر في صورة ثانية التقطتها كاميرا ثانية على الأرجح بعيد الإنفجار بلحظات أيضاً. صورتان لموت واحد، الأولى تجمّد الزمن قبل الإنفجار بلحظات، وتجعلنا نتأمل وجوه من في الصورة، ونتمعّن أكثر في وجه الشاب اللطيف بالسترة الحمراء وهو ينظر إلى الكاميرا غافلاً أن الموت يظهر في الخلفية، في سيارة ذهبية اللون. وصورة ثانية بعد الإنفجار بلحظات، تجمّد المشهد عند لحظة اصابة الشاب برأسه وارتمائه على قارعة الطريق مع دمه المسفوك. بين هاتين الصورتين، هناك صورة التقطتها الموت، تلك الومضة التي يتحدثون عنها، من دون أن يخبرها أحد، سوى اولئك القلة الذين عادوا من الموت، وخرجوا من انفجارات مماثلة بأعجوبة. تلك الومضة التي على الغالب شعر بها بشكل خاطف الوزير محمد شطح ومرافقيه، بعد دوي الإنفجار، فارتفعوا شهداء على الفور. بماذا شعروا؟ هل الموت السريع يختلف عن الموت البطيء؟ أيهما أكثر إيلاماً؟ لا نعرف، لكن ما نخبره، موتاً بعد موت، هي اللحظات التي تسبقه وتعقبه، والتي تستطيع التكنولوجيا التي في هواتفنا «الذكية» التقاطها. كل ذكاء هذه الأجهزة، يعجز عن التقاط الموت نفسه، لكنها أجهزة قادرة على رصد التفاعل السابق للموت واللاحق له. بين صورتيّ محمد الشعار، قبل الإنفجار وبعده، هناك لحظة للموت، لا يمكن لأحد أن يلتقطها. ربما لأن الموت خلف الكاميرا دائماً، وهو من يضغط على زرّ التصوير ليلمع الفلاش، ويدويّ الإنفجار. محمد لم يمت فوراً كما هي حال الشهيد شطح ومرافقيه. كان هناك متسع من الصور بين فلاش الموت الأول، وتظهير الصورة النهائية له. لم يكن موت محمد الشعار «رقمياً» (ديجيتال) كما هي حال موت محمد شطح ومرافقيه الذين أصابتهم لمعة الإنفجار مباشرة، فتظهّرت صورة الموت فوراً، بلا تحميض ولا انتظار. موت محمد الشعار ليس رقمياً، لكنه أيضاً جرى بعكس تظهير الصور التقليدية. موت محمد الشعار أعاد صورته إلى النيغاتيف. في غرفة العمليات، كان الطبيب يحاول أن يبقي على الصورة الأصلية لمحمد، تلك التي سبقت الإنفجار. الصورة الناصعة، التي يظهر فيها محمد سعيداً بسترته الحمراء. كان الطبيب يحاول أن يعيد الزمن إلى الوراء، إلى تلك اللحظة، ويوقفها هناك، من دون أن تنفجر السيارة، وتتفحم تلك الصورة وتصير نيغاتيفاً. خارج غرفة العمليات، كان اصدقاء محمد يصلون، في صورة أخرى تنتمي إلى «ألبوم صور» موت محمد، الذي انضم إلى ألبوم صور حياته التي جمعها اصدقاؤه في فيديو على موقع يوتيوب. لم تنفع الصلوات ولا التمنيات. محمد مات. والصور الثلاث، صورته قبل الإنفجار، وصورته بعد الإنفجار، وصورة اصدقائه أمام غرفة العمليات، جعلت موته أكثر إيلاماً. الموت من دون صور أقلّ وقعاً، وأخف وطأة. تلك الصور، أماتت محمد مرتين، وآلمت أحباءه وأصدقاءه، كما آلمت الكثير من اللبنانيين، مرتين وأكثر. موت محمد، الذي لامسته عدسات الكاميرات، وناقشه المفسبكون والمغردون، يشبه موتنا جميعاً. إنه عودتنا جميعاً إلى النيغاتيف... في زمن الديجيتال!