لم يكن التاريخ يوما ليعيد نفسه بالقذارة نفسها كما هو الحال مع عائلة آل سعود. اللافت أن المجزرة نفسها التي نفذها محمد بن سعود وابنه عبد الله بالتعاون مع أبناء محمد بن عبد الوهاب ضد أهل نجد والحجاز وبعض أجزاء شبه الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر، عندما استولوا على السلطة بالسيف وقطع الرؤوس، ينفذها احفادهم اليوم في سوريا، كأن التاريخ لم ينقطع بين الماضي والحاضر.في سياق الإضاءة على تاريخ آل سعود ومملكة رمالهم، التي بدأها المفكر السعودي التقدمي ناصر السعيد، ودفع حياته ثمنا لها، بتآمر سعودي لبناني فلسطيني مشترك للأسف، حيث جرى اختطافه من أمام صحيفة «السفير» في الحمرا، حيث جرى تخديره ووضعه في نعش وتسليمه إلى الاستخبارات السعودية لقاء مبلغ خمسة ملايين دولار، ونقل بطائرة سعودية خاصة عبر مطار بيروت، وألقي به من الطائرة على ارتفاع ثلاثين الف قدم فوق منطقة الربع الخالي.
في سياق المتابعة لتاريخ هذه العائلة الأسود ثمة عشرات المحطات التي ينبغي التوقف أمامها في عصرنا الحاضر كما في التاريخ؛ فليس من فارق بين ما قام به محمد بن سعود وابنه عبد الله، بالتعاون مع الوهابيين، وما يقوم به سعود الفيصل وبندر بن سلطان وتركي الفيصل في سوريا اليوم. لقد اخذت هذه العائلة على عاتقها منذ تنكبها السلطة بدعم استعماري بريطاني، أسهم في استيلائها على الحكم في الثلث الأول من القرن العشرين، ومن ثم الانتقال الى التبعية الأميركية بالوقوف بوجه كل ما هو عروبي وتقدمي، والعمل بكافة الوسائل على إجهاض اي تقدم او تطور او ارتقاء لهذه الأمة. لعل ذلك بدأ مع الإقرار لليهود «المساكين» كما وصفهم عبد العزيز آل سعود في رده على الطلب البريطاني بالموافقة على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مرورا باستعانتهم بالجيش الإسرائيلي لمواجهة عبد الناصر في اليمن، ومحاولة منع اليمن من التحول من حكم الإمامة الى جمهورية ديمقراطية، الى إرسال مذكرة للرئيس الأميركي ليندون جونسون يدعونه فيها للقضاء على عبد الناصر، الى تمويل حرب عام 67 ضد عبد الناصر ومحاولة تدمير مصر كرد على الحقد التاريخي على مصر، التي أجهض قائدها محمد علي باشا استكمال إقامة دولتهم الوهابية مطلع القرن التاسع عشر، واعتقل زعيمهم عبد الله بن محمد بن سعود بن عبد العزيز آل سعود، وأرسله الى تركيا، حيث جرى اعدامه بقطع رأسه، ووضعه على فوهة مدفع ومن ثم إطلاقه ليصبح هشيما، ومن ثم أخرج قلبه ووضع فوق جثته ووضع حكم اعدامه في نصل خنجر جرى شكه في القلب.
ولعل ما ذكره الرّحالة روتير، في شهر تشرين الثاني ( نوفمبر) عام 1818 م، في كتابه « رحلة من تبليسي إلى إسطنبول» ، يصف فيه مشهد إعدام عبد الله بن محمد بن سعود آخر حكام الدولة السعودية الأولى في الجزيرة العربية يعطي انطباعا عن الحقد الذي ما زال يعتمل في صدور هذه العائلة ..
كتب روتير في كتابه «رأيتُ بأم عيني إعدام عبد الله ملك السعوديين الوهابيين، بقطع الرأس في ساحة آيا صوفيا، مقابل قصر حدائق السرايا، بعدما طيف به ذليلاً في شوارع إسطنبول لثلاثة أيام. ولقد وضع الأتراك رأس عبد الله آل سعود بعد قطعه في فوهة مدفع، ثمّ أشعلوا باروده، فانقذف الرأس بعدما صار هشيماً، أما جسده، فقد وضعوه على خازوق، ثمّ ستروه بقطعة قماش كُـتبَ عليها «تركيا فوق الجميع». وأخرجوا قلبه من صدره، وثبـتوا بخنجر غرز في قلبه المنزوع، ورقة كانت تتضمن حكم الإعدام بحقه».
ولعلّ من المهم استعراض الأسباب التي حدت بالأتراك إلى تنفيذ حكم الإعدام بهذا الشكل المريع، بسبب ما قام به عبد الله بن محمد بن سعود هو وزبانيته من اتباع محمد بن عبد الوهاب عندما غزوا عام 1801، مراكز التشيّع في جنوب العراق، حتى وصلوا كربلاء، فأعملوا في رقاب أهلها السيف، ولم ينج من مقتلة «المشركين الروافض» (كما سموا الشيعة) إلاّ من هرب ! ودخل الوهابيون إلى مقام الإمام الحسين فهدموا القبة فوق ضريحه، ونهبوا ما وجدوه من ذهب ومال ومتاع. وعام 1802، اتجهت جيوش الوهابيين غرباً نحو مراكز التسنن في الحجاز، فبدأوا بغزو مدينة الطائف التي قاومتهم، فكان مصيرها مروّعاً «إذ ذبحَ كل فرد ذكر من سكانها، وسُبيت نساؤها . ثمّ دخل الوهابيون مكة التي استسلم أهلها، تحت أثر الرعب والهلع اللذين انتاباهم، وكذلك كان الحال في المدينة المنورة! وحين احتل أتباع ابن عبد الوهاب مكة، هدموا المعالم النبوية التاريخية فيها، وعملوا على تدمير كل القباب والأضرحة والمقامات وكل ما وجدوه من آثار قرون من التعمير الاسلامي حول المسجد الحرام».
لم تتوان السعودية بقيادة آل سعود يوما عن الوقوف بوجه كافة محاولات التغيير في الوطن العربي، والعمل على تدمير الثورات التي يمكن ان تنال من العدو الصهيوني، سواء بإغراقها بالمال كما حصل مع الثورة الفلسطينية، أو محاولات القضاء على حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان بالتنسيق مباشرة مع اسرائيل والغرب، وإضافة إلى ما تقوم به السعودية من جرائم وتدمير في سوريا، فإنها تسعى ايضا الى اغراق العراق بدمه عن طريق السيارات المفخخة التي بلغت بحسب آخر الإحصاءات 300 سيارة مفخخة.
يصر تركي الفيصل بحسب ما ذكرت الصحافة على تدمير سوريا ببنيتها المجتمعية ومؤسساتها وجيشها الوطني، وصولا الى تقسيمها، كل ذلك بسبب تحالف سوريا مع المقاومة ودعمها لها بوجه إسرائيل، ويقوم بجهود مستميتة لتخريب الإتفاق الإيراني ـ الدولي، فيزور وفد اسرائيلي المواقع الحساسة التي يمكن ان تستخدم لضرب ايران وتدمير برامجها النووية السلمية والتنموية بالتحالف والتنسيق مع السعودية، كل ذلك بسبب وقوف ايران ودعمها للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ودعم المقاومة في لبنان.
هذا التاريخ الأسود لتلك العائلة، ولمملكة الحقد الوهابي، لا يمثل سوى الجزء اليسير من الدور الخطير الذي تؤديه في الأمة حاجزة لتطورها ومانعة لارتقائها وتحررها من الاستعمار وعلى نحو اساسي الحفاظ على الكيان الصهيوني، الذي اصبح التنسيق معه علنا، وعلى عينك يا تاجر. ولعل لقاء تركي الفيصل مع مائير شطريت في موناكو، ولقاء بندر بن سلطان مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي للتنسيق في ما يتعلق بتدمير سوريا، على ما افادت التسريبات الإعلامية، والتأثير المشترك على الولايات المتحدة لإفشال الاتفاق النووي الإيراني الغربي، ما يؤكد استمرار التاريخ الأسود.


* كاتب لبناني