لم تعد سوق السلاح تقتصر على أوكار سرية أو مناطق بعيدة عن السلطات المختصة. ففي ظل الفوضى الأمنية القائمة، لم يتردّد بعض تجار السلاح في ممارسة عملهم «على عينك يا تاجر». هكذا لجأوا إلى التكنولوجيا للترويج لبضاعتهم، وأنشأ عدد منهم صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي تعنى ببيع مختلف أنواع الأسلحة من دون حسيب ولا رقيب.
على هذه الصفحات، يمكننا أن نلاحظ كيف تواكب حركة الاتجار بالأسلحة الوضع السياسي في البلاد. فهي ترتفع وتنخفض تبعاً لحدّة السجال السياسي وانخفاضه. ويترجم الطلب على الأسلحة عند توتر الأوضاع ارتفاعاً جنونياً في أسعار القطع المتوافرة، من دون أن يحدّ ذلك من الإقبال عليه، بل يسهم الزبائن في رفعها من خلال الإقبال الكبير على الاسلحة المعروضة، ما يجعل أي صفحة أشبه بمزاد علني يزايد فيه المشترون بعضهم على بعضهم الآخر. فكيف يجرؤ هؤلاء على بيع الأسلحة علناً؟
يوافق أبو عديّ، وهو واحد من هؤلاء التجار، على الإجابة عن أسئلة «الأخبار» بعد دردشة الكترونية معه. يقول إنه بدأ بنشر صور الأسلحة على «الفايسبوك» للتباهي والتسلية «وفجأة بدأ بعض أصدقاء الصفحة يتحوّلون من قرّاء إلى مشترين، فصرت أبيع وأشتري بطريقة سهلة وأصبح عندي زبائن كثر». ويكشف أنه أقفل صفحته بعد فترة، وأنشأ أخرى جديدة، «وهذه المرة الزبائن هم من بحثوا عني»، مقدّراً عدد المشترين من روّاد صفحته بـ 50% «فالبيع لم يتوقف منذ بداية المعارك في سوريا».
يؤكد أبو عدي، المقيم في مخيم عين الحلوة، أنه لا ينتمي لأي طرف سياسي «أنا إنسان مطلوب للدولة وأبيع الطرفين، لكن لديّ بعض المحاذير في البيع. مثلاً أنا لا أبيع الزعران، من الممكن أن يهاجموا عائلتي، ولا أبيع أهالي صيدا لأنني في غنى عن وجع الرأس الدائر فيها». ويكشف أن زبائنه ينتمون إلى مختلف الطبقات الاجتماعية «منهم مدراء المصارف، أصحاب محال تجارية، وحتى طلاب جامعات». ورداً على سؤال عن نوعية الأسلحة الأكثر طلباً، يقول «المسدسات والكلاشنيكات، ثم القذائف وأخيراً القنابل». ولا يخفي أبو عدي وجود منافسة حتى على مواقع التواصل الاجتماعي بين التجار «قبل سنة اشتدت المنافسة أونلاين، فبعض الصفحات المنافسة تحرق الأسعار، والمنافسون كثر، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية، وفي طرابلس تواصلوا معي، وبرغم انني لم أخفض الأسعار، اشتروا كل الكمية المتوافرة لديّ». وعن كيفية حصوله على السلاح، لم يتردّد في القول إنه يحظى بمساعدة من القوى الأمنية التي تتغاضى عن الأمر.
طبعاً يصعب التأكد من صحة هذه المعلومات التي يوردها الرجل، لذا ننقلها إلى قوى الأمن الداخلي، لسؤالها عن سبب عدم ملاحقة أصحاب هذه الصفحات، برغم أنها علنية ويمكن أي مواطن الدخول إليها. وكان الجواب من المصدر الأمني، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه سيعدّ المعلومات المقدّمة من «الأخبار» بمثابة إخبار لقوى الأمن الداخلي يتيح مراقبة الصفحة وملاحقة من يقف خلفها. موضحاً أن «القوى الأمنية غير قادرة على مراقبة جميع المواقع، لكننا نتابع كل ظاهرة جديدة تصل إلينا ونعرف بها»، كما نفى ما قاله أبو عدي عن قيام بعض من رجال الدولة بتأمين السلاح له «فالمخيمات تعجّ بالسلاح، وهناك مليون طريقة ليخرج الأسلحة من المخيم، ربما عبر سيارة أجرة أو داخل حقيبة مدرسية، أو تحت الأرض، الخ..».
قانونياً، لفت المحامي كامل صفا إلى أن البيع «أونلاين» لا يختلف عن البيع في محالّ «فهناك مرسوم اشتراعي رقمه 137 صادر بتاريخ 12/6/1959 نظم عملية الاتجار بالسلاح. وهو يوجب على التاجر التقدّم بطلب رخصة من وزارة الداخلية حسب المادة 4 من القانون نفسه، وكل من لا يحمل هذه الرخصة يعاقبه القانون، لأن المادة 3 من هذا القانون المعدّلة وفقاً للقانون 190 سنة 2000 تقول إنه لا يجوز لأي شخص طبيعي أو معنوي أن يقوم في الأراضي اللبنانية بأعمال صناعية أو تجارية من أي نوع كانت، تتعلق بمعدات الأسلحة والذخائر من أي فئة كانت، قبل الاستحصال على رخصة قانونية تُعطى بمرسوم بناء على اقتراح وزيري الداخلية والدفاع الوطني. وكل من يخالف هذا القانون يعاقب وفقا للمادة 72 و 73 من قانون الأسلحة، أي بجنحة، من 6 أشهر الى 3 سنوات وبغرامة مالية».
حتى لو جرى البيع عبر الفايسبوك؟ يجيب «نعم، يمكنه البيع كيفما شاء طالما أن لديه رخصة مرفقة بعنوان المحل، الاسم والشهرة وتاريخ الميلاد، محل الإقامة، المهنة، السجل تجاري».
وفي حالة تجارة السلاح عبر الانترنت، يمكن الجهات المعنية ملاحقة التجار، وتحويل القضية إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي صاحب القدرة على ملاحقة التجار وإخضاعهم لاستجواب أمام المحكمة العسكرية».