المرشّح بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية السورية 2014، ليس نسخة من الرئيس بشار الأسد الذي حكم بين 2000 و2011 بإرث الزعيم الراحل حافظ الأسد، ثم بصموده في مواجهة الحرب العدوانية على سوريا وشعبها ودولتها الوطنية. أولاً، يخوض الرئيس، هذه المرة، انتخابات تنافسية حرة برقابة دولية، وستقرر الصناديق، لأول مرة ــــ لا حزب البعث ولا مجلس الشعب ولا الاستفتاء ــــ رئاسته وشرعيته.

وإذا ما كان بشار الأسد هو، موضوعياً، مرشح التوافق الوطني السوري، ومرشح الاستقلال والاستقرار ومكافحة الإرهاب وإعادة البناء، ومرشح الضرورة بالنسبة للتوافق الدولي في المرحلة المقبلة، فإن ذلك كله لا يعني ألّا يخوض حملة انتخابية بالمعنى السياسي، حملة تهدف إلى إقناع الناخبين السوريين، والسعي إلى الحصول على أصواتهم، كما في أي نظام ديموقراطي، وهو ما يتطلب من المرشح الرئاسي إطلاق برنامج انتخابي وتشكيل ماكينة انتخابية شعبية، والشروع في السجال السياسي في فضاء يسمح، جدياً، بالمعارضة.
ثانياً، تواجه سوريا ثلاث مهمات عاجلة: مكافحة الإرهاب وإعادة استيعاب وتأهيل المهجرين وإعادة البناء. ولعل هذه المهمات هي من بين مقتضيات ترشيح الأسد ورئاسته، إلا أن الضرورات المطروحة موضوعياً، لا تشكّل، في حدّ ذاتها، برنامجاً. التمسك بالاستقلال الوطني، وبالحقوق السورية الكاملة في الجولان المحتل، وتعزيز القوات المسلحة، ودعم المقاومة، هي جزء من هوية الدولة السورية، وليست برنامجاً؛ البرنامج هو خيار سياسي واقتصادي واجتماعي، يجعل الاقتراع، كما ينبغي أن يكون، اختياراً لنهج وسياسات، لا ولاء لشخص؛ فهل هناك خيار برنامجي استقر لدى المرشح الأسد؟
إذا كان الترشيح هو بداية لإطلاق عملية سياسية وطنية جدية في سوريا، فإن الوقت ينفد أمام القرار، ذلك أن بضعة أشهر فقط هي التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية.
ثالثاً، ربما، لذلك، قد يكون الوقت قد حان لقيام نوع من التمايز بين الحكومة السورية ــــ التي تستطيع، كما هو واضح، إدارة الأزمة والحرب وجنيف 2 والعلاقات الدولية والإقليمية ــــ وبين المرشح الرئاسي الذي ينبغي أن يتفرّغ لحملة انتخابية مصممة على إحراز فوز سياسي والحصول على كل صوت انتخابي ممكن، داخل وخارج القواعد الاجتماعية المؤيدة. وبهذا المعنى، فإن كل تأخير في إطلاق البرنامج الانتخابي الرئاسي، يضيّع وقتاً وأصواتاً ثمينة، وكل صوت في هذه الانتخابات ثمين جداً إذا كان صوتاً في صندوق اقتراع لجمهورية جديدة، وليس مجرد صوت لرئيس.
رابعاً، الرئيس في انتخابات 2014، هو، أيضاً، مرشح أطياف واسعة من القوميين واليساريين والتقدميين في سوريا والمشرق والعالم العربي. وهذا الترشيح الذي يتوّج ثلاث سنوات من كيمياء جديدة، نشأت، وسط المعركة، بين الرئيس وتيارات حركة التحرر الوطني العربية، يطرح السؤال: باسم مَن؟ هل يترشّح الرئيس باسم حزب البعث أو الجبهة؟ وهل يلخّص هذان الكيانان، المدى السياسي الواسع للقوى التي تؤيد ترشيح الأسد؟
أظن أنه على البعثيين وحلفائهم من أحزاب الجبهة القومية التقدمية، من دون حساسيات، التفكير، مرتين، قبل الإجابة على هذا السؤال المطروح موضوعياً.
رئيس الجمهورية الفائز في انتخابات 2014، هو عنوان وطني سوري للمصالحة والوحدة والتجديد والنهضة. وهو عنوان مشرقي لإعادة بناء هذا الفضاء الضروري للدفاع والتنمية والتقدم. وهو عنوان عربي لاستنهاض حركة التحرر الوطني. ولكلّ ذلك، ينبغي أن يكون الأسد، مرشحاً لتحالف سياسي عريض هو ما ينبغي العمل على بنائه، الآن، على أسس برامجية.
خامساً، البرنامج الانتخابي، في رئاسيات 2014، ليس مجرد بيان؛ إنه وثيقة التزام سياسي من مرشح يقترح نفسه لرئاسة سوريا الجديدة وزعامة حركة التحرر الوطني، لكنه كان رئيساً بالفعل، وكان أميناً على نهج الدولة الوطنية والمقاومة، لكن، في عهده، ارتسمت، أيضاً، سياسات شكّلت الثغر التي مرّت منها قوى العدوان، وتفاعلت مع المعتدين لتدمير سوريا وإغراق شعبها بمآسي الدم والدمار؛ السياسات النيوليبرالية التي قوّضت الريف السوري، وحوّلت الملايين من أبنائه إلى مفقَرين ومهمّشين ومهجّرين في وطنهم حتى مما قبل العدوان الذي وجد، في صفوفهم، الحاضنة الاجتماعية للفوضى والتكفير والطائفية والحرب.
سادساً، أظهرت أحداث السنوات الثلاث الأخيرة، أن أكبر الثغر في البناء السوري، إنما هي ثغرة المثقفين السوريين الذين تبين أن قسماً لا يستهان به منهم قد تعفّن، وفقد أبسط معايير الحس الوطني أو المسؤولية إزاء بلده ومجتمعه. كيف حصل هذا العفن؟ الإجابات الفردية متنوّعة، والمسؤولية الأخلاقية الفردية حاصلة، إنما آن الأوان للاعتراف بأن السلطوية تُفسد المثقفين أو تعميهم بالأحقاد، أو تشلّ ــــ لديهم ــــ الثقة بالذات، وتحوّلهم، في كل الأحوال، إلى أدوات. ربما لا يمكن استدراك مَن سقطوا، لكن ما هو ممكن هو الاستقطاب السياسي ــــ وليس الشخصي ــــ لمَن صمدوا؛ يتطلب ذلك حملة انتخابية وبرنامجاً.