يحاول وزير الأشغال العامة غازي العريضي والمدير العام لمصلحة النقل المشترك وسكك الحديد بسام العريضي، إمرار صفقة بالتراضي مع «المكتب الهندسي الجغرافي» بقيمة 375 مليون ليرة من أجل مسح أراضي المصلحة ووضع خرائط بها، بذريعة تحديد التعديات على هذه الأملاك، وللحدّ من الكلفة المترتبة على المصلحة، والناجمة عن تعيين المحكمة خبراء لمسح الأراضي قبل الفصل في مدى صحّة التعدّي، ثم إصدار قرار بإزالته.للوهلة الأولى تبدو هذه الصفقة كأنها أمر ضروري لمنع التعديات على أملاك مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، لكن سرعان ما تؤكد الوقائع والمعطيات أنها تنطوي على شبهات عديدة، فهذه الأملاك معروفة ومحدّدة بموجب خرائط لدى الدوائر العقارية والجيش اللبناني أيضاً، فيما هناك تقرير كامل بكل التعديات نظّمته المصلحة قبل سنوات، وقد استند إلى مضمونه لرفع أكثر من 1500 دعوى قضائية، لا تزال المحكمة تدرسها إلى اليوم، فيما لا يزال هناك نحو 500 تعدٍّ «نائمة» في أدراج المصلحة بسبب ضغوط المافيات والسياسيين.
أما قانونياً وإدارياً، فتخالف هذه الصفقة توصية التفتيش المركزي القاضية بإنشاء لجان من موظفي المصلحة للوقوف على هذه التعديات وتنظيم محاضر بها، وتعميم رئاسة الحكومة 35/2006 الذي يشدّد على الإدارات والمؤسسات العامة وعلى البلديات واتحادات البلديات «عدم قبول خرائط المساحة أو صور طبق الأصل عنها، مهما كان نوعها، ما لم تكن صادرة أو مصدقة حسب الأصول من دوائر المساحة، وأن تعمد إلى إبلاغ المديرية العامة للشؤون العقارية عن كل مخالفة بهذا الشأن مع إيداعها المستندات المخالفة لإجراء التحقيق والملاحقة عند الاقتضاء».
ألا يعني هذا الأمر أن إجراء المسح من قبل مكتب خاص هو أمر غير مجدٍ لأن الإدارة مضطرة إلى أن تصدق الخرائط الجديدة من الدوائر العقارية؟ لماذا اللجوء إلى صفقة بالتراضي قبل إجراء مناقصة؟
في الواقع يعتقد المطلعون على ملفّ التعديات على أملاك السكك الحديد، أن الشبهات التي تثيرها هذه الصفقة بالتراضي وبإعطائها «طابع العجلة» كثيرة وعديدة؛ فالمعروف «أن ما يحصل في الدوائر العقارية لا يجري في إدارة أخرى لجهة حجم الرشى والفساد المنتشر فيها والتلاعب الحاصل بالعقارات. فما المانع أن يهمل هذا المكتب الهندسي عن غير قصد أو عمداً بعض الأملاك التي لم ترفع فيها دعاوى قضائية حتى الآن بسبب الضغوط السياسية. وما المانع أيضاً أن يجري التغاضي أو التنازل عن تعديات كانت حاصلة سابقاً؟».
هذه الأسئلة تفتح الباب أمام البحث في واقع التعديات على أملاك سكك الحديد، وفي عدم رغبة القادة اللبنانيين في تشغيل خطوط السكك، سواء لنقل الركاب أو البضائع.
تمتدّ خطوط سكك الحديد في أكثر من اتجاه: خطّ ساحلي من الناقورة باتجاه بيروت وطرابلس، بمحاذاة الشاطئ اللبناني بكل تعرجاته. وخطّ ثان من طرابلس باتجاه العبودية، وخطّ ثالث من بيروت (محطة مار مخايل) باتجاه شتورا ومناطق بعلبك ـــــ الهرمل.
وخلال الحرب الأهلية حصلت تعديّات كثيرة على هذه الخطوط جنوباً وشمالاً وبقاعاً، لكن النسبة الأكبر من التعديات هي في جبل لبنان، فعلى سبيل المثال تدخّل نائب سابق من أجل منع إزالة تعدّي أحد أصحاب معارض السيارات عن أملاك السكّة في منطقة جونيه. وجنوباً، تتعدّى الأمم المتحدة على عقارات السكّة في منطقة الناقورة بطريقة غير قانونية، ومن دون دفع أي بدل، وفي عام 2006 جرى بحث الأمر بين الحكومة اللبنانية ومسؤولي اليونيفيل من دون الوصول إلى نتيجة. وفي بعلبك جرى تلزيم مشروع بنى تحتية مرّت في أملاك السكة بالقرب من القلعة. أما في شكّا، فهناك منتجع سياحي عبّد خط السكة للحصول على طريق خاص به.
ويشير المطلعون إلى أن لدى معظم بلديات لبنان الساحلية أملاكاً محاذية عقارياً لأملاك السكك الحديد، لكنها تعدّت على هذه الأملاك، مثل جبيل والفيدار... أما شركات الإعلان، فحدّث ولا حرج، إذ إنها تضع لوحاتها على أملاك السكك برخص من البلديات التي تحصل على العائد!
على صعيد تشغيل خطّ السكة، ينبغي التذكير بأمرين: الأول يتعلق بالدراسة التي أجرتها شركة سوفري الفرنسية لإنشاء 4 خطوط قطار ساحلية بكلفة 800 مليون دولار، وقد رفضت بصورة قاطعة من الحكومات الحريرية، ولم ينفّذ شيء منها. والثاني يتعلق بالحملة التي أقامها في مطلع التسعينيات وزير الأشغال العامة شوقي فاخوري، آنذاك، لإزالة التعديات من محطة «ن.ب.ط.» في بيروت وصولاً إلى شكا، وجرى تحقيق الهدف منها بتشغيل مقطورات لنقل الترابة من شكا إلى بيروت، وكانت تصل حمولتها اليومية إلى 7 آلاف طن بكلفة تراوح بين 4 دولارات و6 دولارات للطن الواحد.
وما يعزّز عدم رغبة السياسيين في تطوير هذا القطاع، أن الوصلة التي اتفق عليها بين لبنان وسوريا من طرابلس إلى العبودية، والتي التزمتها الشركة العربية لخطوط السكة (سورية)، توقفت بسبب التعديات وتوقف التمويل، علماً بأن المصلحة اشترت قضباناً حديدية بأكثر من مليون دولار لتأهيل بعض الخطوط، لكنها لا تزال إلى اليوم في مرفأ طرابلس يتآكلها الصدأ، علماً أن رئيس نقابة موظفي سكك الحديد بشارة عاصي يؤكد إمكان تشغيل خط جونيه ـــــ شكا لنقل الركاب والبضائع، ولا سيما في ظل وجود مقطورات بولونية في مستودعات المصلحة لأنها لم تشغّل بعد. ولا تنحصر التعديات في الأفراد، بل تشارك فيها الدولة ومسؤولوها أيضاً. فالأوتوستراد العربي «أكل» أملاك السكة في منطقة جسر النمليّة، فيما أنشئ الأوتوستراد الساحلي بين ضبيه ونهر الكلب على خطوط السكك، فضلاً عن «إغراق» مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك في المشاكل والتعديات و«إحراق» كادرها الإداري.



90 مليون متر مربع

هي مساحة أملاك السكك الحديد في مختلف المناطق، سواء بمحاذاة الساحل أو على الحدود مع فلسطين المحتلة ومع سوريا، أو بين بيروت وشتورا وصولاً إلى سرغايا والقاع والقصير... إنها مساحات هائلة، منها ما هو مشغول غصباً، ومنها ما هو مهمل عمداً



آل العريضي

رغم أن مجلس الخدمة المدنية رفض تكليف بعض الوزراء لإشغال مركز المدير العام بالتكليف، تمكّن الوزير غازي العريضي من إقناع رئيس مجلس الخدمة خالد قباني بإحلال الموظف في الفئة الرابعة في مصلحة النقل المشترك بسام العريضي في مركز المدير العام بالتكليف، لكن وجود آل العريضي لا ينحصر في هذا المركز، فالمدير العام السابق للمصلحة رضوان بونصر الدين المحسوب على «الاشتراكي» كان قد كلّف السائق ز. العريضي رئيساً لمصلحة الأمانة، والسائق ر. العريضي رئيس خطّ بالتكليف.