تعيش المخيمات الفلسطينية في بيروت حالة من «الهدوء النسبي». اللاجئون مشغولون بما توقعته ليلى عبد اللطيف أخيراً. فقد «استلهمت» حدوث «إشكالات أمنية في صيدا بين المخيمات الفلسطينية وحزب الله، ما يستدعي وجود قوات دولية». الـ«نبوءة» شغلت بال أبناء مخيم برج البراجنة ومسؤولي بعض الفصائل، وخصوصاً بعدما أصبح البعض «يوجه الاتهامات إلى المخيمات والفلسطينيين عموماً»، يقول أحد مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية.
هذه الأيام، تحليل كلام عبد اللطيف «شغّال» بين الفلسطينيين، كأنه حقيقة واقعة غداً. كيف يمكن أن تندلع الاشتباكات؟ هل هناك حرب مخيمات جديدة؟ هل سيدمر مخيم آخر؟
هذه التساؤلات مطروحة اليوم في الشارع الفلسطيني، والتوتر الذي يعيشه أبناء المخيمات انعكس سلباً على الأرض؛ إذ خفّف شبان مخيم البرج خروجهم منه، وأصبحت ساحات المخيم نقاط تجمّعهم، بعد توجيه من الأهالي «بعدم الخروج إذا ما عندكم شغل برّا». لأنه «عند سماع لهجتنا الفلسطينية، أو القول إننا من المخيم تصبح الإجراءات الأمنية أشد علينا»، يقول أحد أبناء حركة «فتح». التشدد الأمني ليس سلبياً؛ «فأمن الضاحية من أمن المخيم، لكن لا يمكنك ضبط بعض الشبان الذين قد يعتبرونه استفزازاً»، يقول الشاب.
حتى الآن لم تقع حوادث أمنية تذكر مع عناصر القوى الأمنية أو الجيش المنتشرين في محيط المخيم. ويقول مسؤول أحد الحواجز الأمنية اللبنانية إن «التعاون جيد بيننا وبين القوى الأمنية الفلسطينية المشتركة». وقد أدى هذا التعاون إلى إلقاء القبض على سوريين وفلسطيني في مخيم البرج بتهمة الانتماء إلى «جبهة النصرة». الجبهة الشعبية ــــ القيادة العامة اعتقلت المجموعة بعد تقاطع معلوماتها مع طلب من استخبارات الجيش بتوقيف أفرادها. وتقول المصادر الفلسطينية إنه «أثناء التحقيق مع الموقوفين اعترفوا بأنهم عناصر في الجيش الحر، لكنهم غيّروا إفاداتهم وأقرّوا بأنهم مع النصرة». وتضيف: «كذلك اعترف أحد الموقوفين بأنه أوكل مهمة مراقبة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى».
أخيراً، عقدت الفصائل التابعة لمنظمة التحرير وتحالف القوى اجتماعاً في السفارة الفلسطينية لتفعيل عمل اللجان الأمنية والشعبية. حضر الاجتماع كل مسؤولي فصائل منظمة التحرير وتحالف القوى، واتفقوا على توحيد اللجان الأمنية ضمن «القوى الأمنية المشتركة». بدأ العمل بهذه القوى في مخيم برج البراجنة أولاً، بسبب قربه من موقع التفجيرات التي حصلت أخيراً في الضاحية، ولأنه أيضاً اتهم أكثر من مرة بأنه بات مركزاً للمتشددين ولانطلاق السيارات المفخخة. فحوّلت «فتح» مركزها على باب المخيم الغربي إلى نقطة ثابتة للقوى الأمنية المشتركة التي تمدها «حماس» بالمال (رغم تأخرها عن دفع المستحقات حالياً)، و«فتح» وباقي الفصائل بالعناصر. أما في مخيم شاتيلا، فتسعى الفصائل إلى إعادة تفعيل اللجنة الأمنية التي انسحبت الفصائل منها وبقيت في يد «فتح الانتفاضة»، وذلك بسبب تداخل المخيم مع الأحياء القريبة منه التي يسكنها بعض أنصار أحمد الأسير. لكن مشكلة الفلسطينيين لا تكمن في تفعيل لجانهم الأمنية، بل في تعامل الدولة مع هذه اللجان على أنها «عصابات مسلحة، ما يمنع بعض عناصرها من تنفيذ مهماتهم خوفاً من الادعاء عليهم»، بحسب أحد ضباط هذه اللجان.
وتفادياً لهذا المأزق، سعى الفلسطينيون مع المسؤولين اللبنانيين لقوننة عمل هذه اللجان كي لا يلاحق عناصرها. وطرحوا هذا المشروع أمام المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي وعدهم خيراً. على صعيد آخر، يعتب بعض مسؤولي الفصائل الفلسطينية على وسائل الإعلام؛ إذ إن التذكير «بهوية الانتحاري بشكل متكرر، يجعل الفلسطينيين والمخيمات موضع اتهام دائم». ويلفت مسؤول في منظمة التحرير إلى أن «كل الانتحاريين الفلسطينيين كانوا ممن يعيشون خارج المخيمات»، فـ«عدنان المحمد عاش في الزهراني ولا يعرف عين الحلوة. أما نضال المغير، فكان يقيم في البيسارية. وحتى أحمد طه، العقل المدبر لعمليات إطلاق الصواريخ على الضاحية، فلا يسكن في مخيم البرج، بل في حارة حريك»، ما يعني، في رأيه، أن «المخيمات لا تنتج فكراً تكفيرياً». ويسأل مسؤول بارز في تحالف القوى: «كيف يمكن انتحارياً يعيش في بيئة مختلطة أن يفجر نفسه فيها؟». أما عن مخيم عين الحلوة المتهم بإيواء عدد كبير من الإسلاميين المتشددين، والقاعدة الرئيسية لبعض الإرهابيين مثل نعيم عباس، فيستغرب الرجل «كيف يمكن هؤلاء المرور بحواجز الجيش، والدخول والخروج من المخيم من دون التعرف إليهم واعتقالهم؟». أحد مسؤولي الفصائل الإسلامية يؤكد التزام «عصبة الأنصار» في عين الحلوة «الحفاظ على أمن المخيم، وهي تشارك في الاجتماعات التي تعقد في السفارة الفلسطينية لتفعيل عمل اللجان الأمنية».
يحاول الفلسطينيون تحسين صورتهم ومكافحة الفكر التكفيري وبعض حالات التطرف الموجودة في بعض المخيمات. ويقول مسؤول بارز في تحالف القوى الإسلامية إن «التواصل مع حزب الله لم ينقطع للحظة، واللقاءات مستمرة بيننا». ويؤكد «عدم وجود حالات متشددة في مخيم البرج، وقيادات ومسؤولو حزب الله يعرفون ذلك». ويشرح الرجل طبيعة المخيم؛ إذ «هناك بعض الحالات الإسلامية المتشددة، لكنها غير مؤثرة، ولا وجود لمربعات أمنية يسيطر عليها الإسلاميون مثل عين الحلوة».
في الأشهر الماضية عقدت حركة «حماس» ندوات وحوارات في المخيمات مع مناصريها، آخرها كان منذ أيام في مخيم البرج حضره ممثل الحركة في لبنان علي بركة ودار نقاش مع الحاضرين، أكد خلاله بركة أن القتال في فلسطين أولى من سوريا، وأن من يستطيع التسلل والوصول إلى سوريا فليتسلل إلى فلسطين للقتال فيها. كذلك أطلقت حركة «فتح» حملات تثقيفية في المخيمات بأمر من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي قدم مساعدات مالية للأندية الثقافية في المخيمات لمكافحة التطرف والفكر التكفيري عند الشباب. أما بالنسبة إلى حزب الله، ورغم كل ما يقال في الشارعين اللبناني والفلسطيني عن التوتر الموجود بينهما، إلا أن التواصل لم ينقطع مع أي فصيل فلسطيني. لكنّ هناك عتباً من قبل حزب الله تجاه الفصائل الفلسطينية؛ إذ يقول أحد مسؤولي الحزب لـ«الأخبار» إن «التقصير الأمني في المخيمات سببه ضعف الفصائل واهتمامها بحساباتها الفصائلية أكثر من اهتمامها بأمن المخيمات».
على صعيد آخر، سيطرح الفلسطينيون على حزب الله فكرة «طاولة حوار، تكون الدولة مشاركة فيها، لتحديد ما المطلوب من الفلسطينيين والتعاطي معهم على أساس أنهم شريك وليسوا تابعين، وعليهم تنفيذ الأوامر»، يقول مسؤول بارز في تحالف القوى. وسيطرح على هذه الطاولة ثلاث نقاط: «الحفاظ على السلم الأهلي اللبناني، الحفاظ على المخيمات، وحماية حق العودة».