ليس معلوماً بعد عدد الدعاوى والشكاوى والمراجعات التي رفعها المتضررون من المرسوم 8228 الذي وافق عليه مجلس الوزراء في ايار عام 2012، لكن المؤكد ان الدعاوى التي رفعها عدد من المالكين، من اصحاب الشقق والعقارات، اضافة الى شركات تجارية ومصارف، زادت عن ثماني دعاوى، ابرزها دعوى تقدم بها المحامي شربل رزق بوكالته عن اكثر من 30 مالكا ومستأجرا في حوالى 15 عقاراً في منطقة الرميل في الاشرفية.
وكان قد سبق هؤلاء عدد من المالكين والمستأجرين الذين سارعوا الى الطعن بالمرسوم المذكور.
غريب فعلاً أمر هذا المرسوم الذي شمل أربعة مراسيم سابقة له بدءاً من عام 1972 مروراً بعامي 1983 و 1996 وصولاً إلى عام 2012. أي إنه تناول حقبة زادت على أربعة عقود من الزمن . وبمرسوم واحد لا غير اختصر مجلس الإنماء والإعمار ماضي وحاضر ومستقبل قلب العاصمة، ملغياً ما أراد من المراسيم، ومعدّلاً قسماً آخر ومصدّقاً ما يحلو له من القسم الباقي.
تناول المرسوم مواقع عديدة وطرقا مختلفة وشوارع منفصلة، فخلط حابل الأمور بنابلها. وبدلاً من أن تصدر المراسيم على نحو واضح وعلمي ودقيق، جاء المرسوم المطعون فيه نموذجاً مثالياً بخلق الالتباس والضياع في أذهان المواطنين.
ولم يكتف مجلس الإنماء والإعمار ولا بلدية بيروت بهذا الكم من المغالطات، بل إنهما لم يكلفا نفسيهما عناء نشر هذا المرسوم في الصحف المحلية، أو إلصاق إعلان عنه في مركز البلدية، كما أن إشارته لم تدوّن حتى الساعة على أي من الصحائف العينية العائدة لأي من العقارات التي تقدم اصحابها بدعاوى بشأنها امام مجلس شورى الدولة.
ويعيب هذا المرسوم انه لم يستند الى دراسة حديثة، وخاصةً منها تقويم الأثر البيئي للمشروع الذي يعد شرطاً جوهرياً لا يمكن تخطيه. إضافةً إلى أن المشروع افتقر إلى دراسة جدوى اقتصادية وإنمائية ومدنية، حتى إن دراسة لحركة السير المرتقبة لم تحصل، بل جل ما حصل تمثل في خلط المراسيم بعضها ببعضها الآخر، بالتزامن مع طمس حقيقة ما يحصل وصولاً بسرعة هائلة إلى إحالة المرسوم على لجنة الاستملاك في بيروت، مع الطلب منها إصدار قرارات التخمين للعقارات المصابة.
واللافت ان مجلس الإنماء والإعمار وضع مسألة تنفيذ هذا المشروع ضمن اولوياته، فسارع بالتنسيق مع بلدية بيروت إلى تلزيم الأعمال وفض العروض واستكمال الإجراءات الكفيلة بالتنفيذ السريع.
ومن مراجعة خرائط المرسوم ولوائحه التفصيلية التي تعود بأحدثها إلى عام 2004، يتبين انها لم تأخذ بعين الاعتبار أي تغييرات حاصلة خلال ثمانية أعوام لاحقة، وأن المشروع يرمي إلى اختراق المنطقة الممتدة من ساحة ساسين إلى جسر شارل الحلو بجسور وأنفاق تلحق أضراراً بيئية واجتماعية هائلة، بتكلفة تزيد على مئة وخمسين مليون دولار أميركي لتنفيذ مشروع لا يزيد طوله على كيلومتر ونصف كيلومتر. ولا يكتفي المشروع بالطريق الرئيسية، بل يضرب عدداً من التفرعات عبر إصابة أبنية ومؤسسات على طول الخط الممتد من محيط مستشفى الروم حتى جسر فؤاد شهاب.
وبدلاً من اعتماد الخطوط الدائرية Peripheriques للحفاظ على التراث، يقضي المشروع على أكثر من ثلاثين بناء قديما وتراثيا، ويعرض الأبنية الأخرى لخطر الانهيار عبر إصابة أجزاء كبيرة منها، وتنفيذ مشاريع ضخمة كحفر الأنفاق على مقربة لصيقة من بعضها الآخر.
وبدلا من أن يجد المشروع حلاً لمشكلة السير، سيزيد من حدتها، إذ إنه لن يؤمن أية حلول لحركة السير الداخلية، بل سيزيد من تفاقمها لأنه وُجد لربط طريق الشام مباشرةً وعبر خط وحيد الاتجاه بجسر شارل الحلو، كما انه سيزيد من مشكلة ندرة مواقف السيارات عبر قضائه على حوالى ألف موقف سيارة.
ومن ابرز الامثلة على العقارات المتضررة، العقار رقم /692/ الرميل الذي يحتوي على بناء تراثي مبني عام 1899، ومأهول من قبل أحفاد مالكه الأساسي الدكتور حبيب طوباجي، وهو أول طبيب جراح لبناني أسهم في تأسيس مستشفى مار جاورجيوس للورم الأورثوذكس، ولقب بأحد الأقمار الثلاثة، الذي سميت به مدرسة الثلاثة أقمار تخليداً لأسمائهم. ولقد قضى المرسوم على هذا المنزل وحوله إلى جسر، ويهدد المشروع البناء القائم على العقار رقم /486/ الرميل، الذي سوف يهجر ساكنيه من منازلهم حتماً، بعد إصابة بنائهم بالمرسوم من كل حدب وصوب، وجعل مدخله يؤدي إلى وسط أوتوستراد، فضلاً عن إزالة شرفات منازلهم ومطابخها بالكامل، وحرمانهم الوصول إلى الأقسام المشتركة والحديقة المخصصة للعقار بجعلها معزولة عن محيطها.
اضافة الى الاضرار التي سيلحقها بالأبنية القائمة على العقارات رقم /455/ و /509/ و /512/ ، فضلاً عن الضرر السمعي والبصري والهوائي .
جميع هذه المعطيات تقدم بها المتضررون الى مجلس شورى الدولة مفندين العيوب القانونية التي تشوب المرسوم ومطالبين بابطاله. ولقد طلب هؤلاء من مجلس شورى الدولة الجواب على طلب وقف التنفيذ ضمن المهل المقصرة، وإلى إصدار قرار بوقف تنفيذ المرسوم، كما طالب المستدعون بإبطال المرسوم وإعلان عدم قانونيته لكونه معدلاً لمراسيم ساقطة بمرور الزمن سنداً لأحكام قانون الاستملاك وتعديلاته، ولكونه مفتقراً إلى تقويم الأثر البيئي الإلزامي مسبقاً سنداً لقوانين البيئة والمراسيم والتعاميم المؤكدة لها، ولكونه معيباً بتجاوز حد السلطة وغير مسند إلى أي مبررات واقعية أو قانونية.
ولقد اصدر مجلس شورى الدولة قراراً إعدادياً في ٨ كانون الثاني الماضي، قضى بالتريث في بتّ طلب وقف التنفيذ، وبتكليف الدولة اللبنانية ومجلس الإنماء والإعمار إفادة المجلس عما إذا كانت الأصول المنصوص عليها في المادة ٣٥ من قانون الاستملاك قد استكملت، وإثبات ذلك في حال الإيجاب.
والى حين بت طلب وقف التنفيذ يتخذ الملف ابعاداً سياسياً وشعبية، لكن الاساس القانوني يبقى الاكثر صلابة ان لجهة انصاف المتضررين او السير قدماً بالمشروع، عبر عدم النظر فيه على غرار مئات الدعاوى النائمة في ادراج القاضي شكري صادر.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar