ترى بلدية بيروت ان مشروع طريق فؤاد بطرس يمثل رؤية لحل ازمة السير في المنطقة، لكن هذا الطريق يواجه معارضة واسعة في الشارع، حيث أُنشئ ائتلاف مدني يضم عددا كبيرا من الجمعيات وسكان المنطقة، ويقول الائتلاف ان هذا الطريق الجديد سيضرب المزيد من المنازل التراثية، وبجعل المدينة أكثر بشاعة ويهجّر الأهالي.
في المقابل، يؤكد نائب رئيس بلدية بيروت نديم أبو رزق أن «المشروع لن يُنفّذ قبل الانتهاء من إعداد دراسة تقويم الأثر البيئي التي ستحدد التوصيات بالنسبة إلى حركة المرور، وكل من التلوث البيئي والسمعي، والحفاظ على التراث، والبعد الاجتماعي والاقتصادي»، شارحاً أن «البلدية ورثت تخطيطا، كان قد نتجت عنه استملاكات لتحقيق هدف معين، وقد جرى تسديد ثمنها بالكامل لأصحابها السابقين، وبالتالي، فأي تراجع عن هذا الاستملاك سيعرضنا للمقاضاة مع كل أصحاب تلك العقارات». وينفي ابو رزق أن يكون المشروع قديما، مشيراً إلى أنه «خضع لتصميم حديث كليا، ينسجم مع مفاهيم عمرانية بيئية اجتماعية واقتصادية، بناء على تكليف استشاري».
يرفض المنسق العام للائتلاف المدني الرافض للمشروع، رجا نجيم، مقاربة البلدية لموضوع الاستملاكات القديمة بهذه الطريقة، مؤكداً ان المطلوب ليس التراجع عن الاستملاكات، بل تحويل وجهة استعمالها من طريق الى حديقة عامة، تحمل اسم فؤاد بطرس، لافتاً الى ان قانون الاستملاك واضح بهذا الشأن.
بدوره يرى أبو رزق أن البلدية تتعرض لـ «بروباغندا مبنية على أكاذيب»، متسائلاً: «أي مجتمع مدني يقوم بحملة خاطئة إذا أراد حقا الحوار والتحسين؟». ويرى أن المعترضين جزء من هذا المجتمع المدني، لكنهم لا يمثلون رأي كل ابناء المدينة، موضحاً أن «المرحلة الأولى من تقويم الأثر البيئي الذي نحن في صددها اليوم تقضي بتوزيع استمارات على الناس لكي يعترض من شاء على أي نقطة من المشروع، وسيؤخذ رأيه في الاعتبار». ويتابع: «يسوقون لصور اخترعوها. فأنا عندما أرى مشروعا كالذي تعرضه صورهم، أتمنى لو أنزل فورا إلى الشارع للاعتراض».
يرد نجيم تهمة ابو رزق بهجوم مضاد، متهماً البلدية بانها ترفض الحوار وتغلق جميع الابواب امام تسليم السكان المتضررين والجمعيات المعنية الملفات التي تمكنهم من معرفة حقيقة المشروع، اما عن مدى تمثيل الائتلاف المدني لوجهة نظر المجتمع المدني، فيرى نجيم ان الاعتصامات التي نظمت قبل اسبوعين لم تكن الا بداية الغيث. وتساءل نجيم لماذا كان ابو رزق ورشيد الاشقر وعدد آخر من اعضاء المجلس البلدي يملكون وجهة نظر مطابقة لوجهتنا تجاه المشروع، ثم فجاة انقلبت معاييرهم وباتوا يتحدثون بلهجة مختلفة؟
يلفت ابو رزق الى ان مشروع فؤاد بطرس كناية عن بولفار صُمم وفق مواصفات المناطق السكنية، ويتضمن نفقا طوله 250 متراً، يسير تحت المنطقة التراثية من جامعة الحكمة إلى ما بعد مستشفى الروم، وسيتحول سقفه إلى ساحة عامة فيها حدائق وممرات مشاة ومكان مخصص للدراجات الهوائية. وفيه أيضاً جسر يمر فوق شارع أرمينيا، وهذا الجسر، بحسب ابو رزق، يجري النظر إليه «كمعلم فني في المدينة، والبلدية منفتحة على أفكار تجعل منه فريدا ومنسجما مع طبيعة المنطقة لا كجسر باطون كسائر جسور لبنان». ويرمي المشروع إلى تأمين مدخل ومخرج إضافيين لمنطقة الأشرفية والرميل، وإلى تسهيل حركة السير داخل المنطقة، وإيجاد مواقف سيارات لأهل المدينة، حيث أنه يتضمن ثلاثة مواقف مقفلة تحت الطرقات تتسع لـ750 سيارة.
يرى نجيم أن الحديث عن إنشاء حديقة فوق مسطح باطون ارتفاعه 50 سنتم مزحة سمجة، ويلفت الى ان البلدية تخفي مشاكل تقنية عديدة ابرزها الحاجة الى اشارات سير عند التقاطع ما بين شارع فؤاد بطرس بالاتجاهين مع شارع مار متر، والتقاطع عند شارع صلاح لبكي اضافة الى مشاكل تقنية تفضي الى نتيجة واحدة، مفادها ان هذا المشروع ولد ميتاً.
وعن تأخر البدء بإعداد دراسة تقويم الأثر البيئي، يوضح أبو رزق أنه، وفور صدور المرسوم، الذي يفرض إعداد هذه الدراسات عام 2012، طلبت البلدية من مجلس الإنماء والإعمار تكليف شركة إعدادها، وهذه الأمور تستلزم بعض الوقت، وها إن شركة «الأرض» بدأت بعملها منذ شهرين. ويشدد على أن البلدية غير متمسكة بأي مشروع وملتزمة التزاما تاما كل ما سيصدر عن هذه الدراسة، واعدا بإيجاد البدائل إذا أوصت الدراسة بذلك، لكنه لا ينفي أن إلغاء التخطيط سيؤدي إلى مطالبات بتعويضات باهظة من قبل الأهالي حيث أن بعض المباني قد صممت على أساسه.
وحول هذه النقطة يرد نجيم بغضب، لافتاً إلى ان تلزيم دراسة الاثر البيئي فرضها الاهالي وبعد الحاح شديد من قبل وزارة البيئة، وجميع الجهات المعنية بتنفيذ المشروع، وخصوصاً البلدية ومجلس الانماء والاعمار كانوا يرفضون موضوع دراسة الاثر البيئي. ومن ابرز الامثلة على عدم احترامهم هذه الدراسة استكمال لجنة التخمين والاستملاك لعملها، وهو ما أدى إلى رفع دعاوى أمام مجلس شورى الدولة.
يوضح ابو رزق انه جرى استحداث بعض النقاط على المشروع مما استوجب استملاك حوالى 11 ألف متر، بكلفة 30 مليون دولار، أي ما يقارب الـ3000 دولار لسعر المتر، لكن أبو رزق ينفي أن تكون البلدية في صدد أكل حقوق الناس، لكون سعر المتر في الأشرفية أكثر بكثير، شارحاً أنه وفقا لقانون الاستملاك يحق للدولة أن تأخذ ربع مساحة عقار معين على نحو مجاني، انطلاقا من مبدأ أنها ستنفذ مشروعا لتحسين المنطقة، مما سيرفع سعر العقار. ويوضح أنه «على أي حال، لسنا نحن من يحدد الأسعار بل لجنة تخمين متخصصة». وبالنسبة إلى الدعاوى التي رُفعت، يقول: «يحق لكل الناس أن يرفعوا الدعاوى، لكن هذه هي حقيقة الأمر اليوم. فنحن قمنا برؤية، ودراسة الأثر البيئي ستحدد ما إذا كانت رؤيتنا جيدة».
في المقابل، يؤكد نجيم ان قانون الاستملاك واضح لجهة الربع المجاني اذا كانت الطريق ستكون اوتوسترادا لا طريقاً فرعياً، لافتاً الى ان الحديث عن تعديل للمشروع بناء على دراسة الاثر البيئي ليست واقعية بعد قرارات لجنة التخمين، لان قرارات اللجنة ملزمة، لذلك فان الاستعجال والالحاح في تسريع عمل هذه اللجنة يمثلان اكبر برهان حول ان القرار ماخوذ بالسير بالمشروع بمعزل عن اعتراض الناس وعن نتائج دراسة الاثر البيئي.
يرفض ابو رزق توصيف مشروع فؤاد بطرس على أنه «مهدم للمباني الأثرية»، أو ما بقي من تلك المباني. فبيروت الحديثة باتت غير مرتبطة على نحو شبه تام ببيروت القرن العشرين بسبب سحق عدد كبير من مبانيها القديمة يوماً فيوما، مما جعل من المدافعين عن التراث ينضمون أيضا إلى التحركات الرافضة لهذا البولفار. إلا أن أبو رزق يشدد على أن معظم تلك الأبنية عبارة عن «خربة»، وعلى أن هناك مبنيين جميلين متضررين، أو ثلاثة مبان كحد أقصى، متسائلا «هل نوقف مشروعا حيوياً لأجل هذه المباني؟».
بدوره يشدد نجيم، الذي يمثل ايضاً التجمع للحفاظ على التراث اللبناني، على ان مشروع فؤاد بطرس لا يهدد مبنى تراثيا واحدا او مجموعة ابنية فقط، بل يهدد أيضا حيا تراثيا بأكمله، ويقضي على طابع عمراني ومساحات خضراء واسعة، كما انه يهدد بتهجير عدد كبير من السكان. ويلفت نجيم الى ان الائتلاف المدني لديه معلومات تؤكد ان وزارة الثقافة رفضت المس بهذا الحي عندما سئلت عن رأيها في المشروع. وهم يعتقدون انّ بامكانهم تمرير مشروع من هذا النوع بكلفة تفوق 150 مليون دولار، بدون اي محاسبة، وهذا ما لن نقبله.