القاهرة | كانت تلك قصة قصيرة كتبتها نادين شمس (1972 ـــ 2014)، لكن يمكن بسهولة ملاحظة التأثير السينمائي: «في السقف كانت المروحة معطلة. تلاشٍ تدريجي. الشمس آخذة في الهبوط، صانعة ظلالاً طويلة مملة للأشياء والبشر وللسور القصير على الزجاج المتسخ، فتقسمه نصفين، نصف مترب مضيء، ونصف مترب مظلل. ينتقل وجهها المندى بقطرات العرق من ذلك النصف الأعلى إلى ذلك النصف الأسفل، فيبدو مضيئاً تارة، ومظلماً تارة». حملت القصة عنوان «الداخل... الخارج»، واعتمدت على الصورة كليّاً، بلا جملة حوار واحدة. رصدت بشكل متتابع، لقطات لامرأة تنشر الغسيل على أحد الأسطح، ورجل يراقبها من وراء نافذة، وجندي حراسة يراقب من برجه، والرابع الراوي الذي يراقب كل ذلك. نُشرت القصة عام 1995 في المجموعة القصصية المشتركة «خيوط على دوائر» (شرقيات)، مع قصص آخرين مثل هيثم الورداني، وأحمد فاروق، وعلاء البربري. المجموعة المميّزة اختيرت بعد حوالى 15 عاماً، لتدخل ضمن كتاب «المجلس الأعلى للثقافة» (من عيون القصة المصرية ــ 2009) الذي تضمن مختارات من القصة المصرية القصيرة عبر الأجيال.
أما نادين نفسها، فقد حسمت أمرها، واتجهت ــ بعد عام واحد من نشر المجموعة ــــ إلى «المعهد العالي للسينما» في القاهرة، لتتخرّج عام 2000 بصحبة دفعة محدودة ومميزة من الكتّاب والمخرجين، منهم عبد الرحيم كمال، مريم نعّوم، نجلاء الحديني وباسل رمسيس.
كغيرها، كان أمامها سنوات من الانتظار، ليبدأ جهدها في رؤية النور. في عام 2008، عُرض فيلمها «احنا اتقابلنا قبل كده». يمكن وصف الشريط بأنّه فيلم «المرة الأولى»، فهو لم يكن تجربة السيناريو الأولى للمؤلفة فحسب، بل أيضاً باكورة مخرجه هشام الشافعي، فضلاً عن كونه الفيلم الذي افتتح به «استوديو مصر» عودته إلى الإنتاج السينمائي بعد توقف سنوات طويلة. العمل الذي أدت بطولته نيللي كريم، مع كارولين خليل وآسر ياسين وحسن حسني، ناقش قضية حساسة نسبياً، هي مدى استعداد الزوجة الشرقية للخيانة، رداً على خيانة زوجها. يلتقط السيناريو تخبّط الزوجة سارة (نيللي كريم)، واكتشافها لنفسها بعد اكتشاف خيانة الزوج الذي ارتبطت به في مرحلة مبكرة من حياتها، أثناء دراستها الجامعية.
في العام التالي، قادت نادين فريق كتابة سيناريو وحوار مسلسل «قانون المراغي» للمخرج أحمد عبد الحميد، وضمّ الفريق كلاً من كاتبي السيناريو محمد فريد، وأحمد محسن، بإشراف عام من صاحبة القصة عزة شلبي، وبطولة خالد الصاوي، وغادة عبد الرازق وأنوشكا. المحامي الشهير المراغي (الصاوي) تزوّج من ابنة أستاذه (أنوشكا)، لكن علاقتهما المضطربة تدفعه إلى زواج آخر من محامية أخرى (غادة عبد الرازق). العمل الجماعي كان سمة المسار التلفزيوني لشمس، وهذه المرّة مع مسلسل حقّق نجاحاً كبيراً في رمضان الماضي، هو «موجة حارة» للمخرج محمد ياسين، عن رواية أسامة أنور عكاشة «منخفض الهند الموسمي». قادت فريق الكتابة هذه المرة السيناريست مريم نعوم، زميلة نادين وخريجة دفعتها من معهد السينما (الأخبار 13/7/2013). استطاع فريق «موجة حارة» تحويل رواية ملك الدراما المتوّج إلى عمل تلفزيوني مميّز. قدّم شخصيتي الرواية الأبرز، الشقيقان سيد وسعد العجاتي في سياق الفساد الذي ضرب مصر كلها. أما وثائقي «ثائر يحلم بوطن.. مينا دانيال» الذي أخرجه محمد العبد، فيقدّم وجهاً آخر من تجربة نادين وروحها، الناشطة والمتعاونة والمنتمية إلى الشأن الثوري العام. كان الفيلم في الأساس جزءاً من مشروع لجمع شهادات عن «ثورة يناير»، لكن مينا دانيال، أحد الشهود في الفيلم/ المشروع قُتل بعد أشهر في «مذبحة ماسبيرو»، فجرى تحويل شهادته إلى فيلم قصير. هذه المرة لم تكن نادين المؤلفة، بل تحمست للمشروع، فصارت المنتجة الفنية له حتى خرج إلى النور عام 2012.
ماتت نادين شمس صباح السبت الماضي بسبب إهمال طبي في أحد أشهر مستشفيات القاهرة، بعدما دخلت من أجل إجراء جراحة عادية. حاول المستشفى التأثير على ذويها، وعلى زوجها (الطبيب نبيل القط)، كي لا يرفعوا القضية إلى القضاء. تعتمد المستشفيات في تلك الحالات على رغبة الأهل في عدم «بهدلة» المتوفى بين النيابات والفحوص. لكن بالطبع، تقدَّم الزوج والأهل ببلاغ إلى النيابة لسبب بسيط: أنهم يعرفون أنّ نادين لم تكن لتصمت أبداً على مثل تلك الجريمة.




العزاء اليوم

شيِّعت نادين شمس عصر أمس الأحد إلى مثواها الأخير، في مقابر العائلة في منطقة مدينة نصر (شرق القاهرة). وينتظر أن يصدر التقرير النهائي للطب الشرعي بخصوص سبب الوفاة خلال أسبوعين. وكان التقرير الأولي قد صدر مساء أول أمس السبت، وتم استصدار تصريح الدفن. علماً أنّ المستشفى كان قد أصدر تقريرين متضاربين: برّر الأول وفاة نادين بإصابتها بصدمة تسممية، بينما أورد التقرير الثاني بأنّ السبب جلطة وريدية، ما استدعى من زوج نادين تقديم بلاغ للنيابة. وسيقام عزاء نادين شمس اليوم الإثنين في «مسجد الحامدية الشاذلية» في منطقة المهندسين في القاهرة.