بعد دخولهما حكومة «المصلحة الوطنية» كاسمين مستفزّين، يشغَل كل من الوزيرين نهاد المشنوق وأشرف ريفي منصبيهما وكأنهما باقيان إلى الأبد. العاملون معهما يقولون إن نشاطهما لا يهدأ. يرى هؤلاء المشهد «طبيعياً» في ظل الظروف التي يمرّ بها البلد. لكنّ ثمّة من له وجهة نظر أخرى: «ما يقوم به الرجلان بروفا في السباق إلى خلافة الرئيس تمام سلام، في ظل استحالة عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان قبل انتهاء الأزمة في سوريا».
دخلت البلاد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ظاهر الأمر يوحي بأن الجميع غارق في هذه العملية.
لكن يبدو أن ثمّة من يخوض، بالتوازي مع السباق الى قصر بعبدا، سباقاً الى السراي الحكومي لترؤس الحكومة التي يفترض أن تتشكّل فور انتخاب رئيس جديد.
في تيار المستقبل نذر معركة غير معلنة، بدأت بوادرها فور ورود معلومات تُفيد بأن بقاء الحريري خارج البلاد «أمر محسوم». فعلى ذمّة بعض المستقبليين «مجنون من يأمل عودة الحريري قبل أن يؤمّن ظروف العودة سياسياً ومالياً وأمنياً». وعلى عكس كثرة المتسابقين إلى رئاسة الجمهورية، تنحصر «معركة الرئاسة الثالثة» بين أربعة أسماء: الرئيسان تمام سلام وفؤاد السنيورة، والوزيران أشرف ريفي ونهاد المشنوق، والأخير يبدو «الأوفر حظاً»، بحسب تحليلات المستقبليين.
منذ تشكيل حكومة سلام، كثُر الكلام عن عمرها ودورها المحصور بانتخاب رئيس للجمهورية. فتح الأمر شهية مستقبليي الصف الثاني، تحديداً من يرون في أنفسهم مرشحين طبيعيين لإدارة المرحلة المقبلة بعد استرداد «الملك الضائع»، وتزاحمت الأسئلة: هل يعاد انتخاب سلام مجدداً أو ترسو التسمية على الرئيس فؤاد السنيورة؟ أم أن الظروف السياسية والأمنية تقتضي طرح أسماء من طبيعة مختلفة؟
في التيار من يستبعد إعادة تسمية الرئيس سلام مجدداً. «المستقبل منحَ البيك ما يستحقه»، يقول هؤلاء. فقد «أعطي ابن بيروت تعويضاً معنوياً، وأعيد إحياء إرث صائب سلام السياسي».
المستقبليون «أمام تحديات كبيرة»، خصوصاً أن «الشارع السنّي يُخطف بأكثريته نحو التطرف والتسلّح».
لذلك، في رأي المصادر نفسها، «يريد التيار استرجاع الكرسي الحكومي بنحو كامل إلى بيت المستقبل». فالرئيس سلام «ليس حريرياً مئة في المئة. هو شخصية مستقلّة في الدرجة الأولى».
هل يعني ذلك أن تحييد سلام بات أمراً مفروغاً منه؟ «ليس تماماً»، إذ سيحاول ابن المصيطبة، بحسب المستقبليين، «إنجاح تجربته بإرضاء الخصوم من دون التصادم مع فريقه. وهذا ما سعى إليه في كل الفترة التي سبقت تشكيل حكومته»، علماً بأنه «لا أحد في المستقبل ينسى الاستياء الذي أثاره سلام داخل التيار الأزرق حين هدّد بالاستقالة لحظة تعثّر المفاوضات على البيان الوزاري».
فؤاد السنيورة لم يغادر ميدان السباق أصلاً. لكن ميزان حظوظه يلعب وفق الواقع السياسي. بحسب المستقبليين «يظهر كارت السنيورة في حال كان هناك نيّة للمواجهة مع الفريق الآخر، ويختفي بمجرد الحديث عن تسوية». تُطرح، منذ فترة، علامات استفهام كثيرة حول أفول نجم الرجل الذي بات يمثّل تياراً داخل التيار، ويشكّل الاستفزاز الأكبر لخصوم المستقبل. ينفي أحد أعضاء المكتب السياسي في التيار ذلك. يؤكّد أن «الحاجة إلى شخص كالسنيورة داخل التيار أكبر من مجرّد الاستعانة بقدراته رئيساً للحكومة. المستقبل لا يملك ترف التخلي عن ديناميته وزخم خططه». باختصار، «السنيورة لم يجمّد نشاطه، رغم اختلاف الأجندة السياسية بينه وبين الرئيس الحريري».
ثمّة في المستقبل من يرى أن «من حق الرئيس سلام السعي إلى المحافظة على ما بين يديه»، كما أن «من حق الرئيس السنيورة استرجاع ما أعطي له مرات عدّة». لكن حظوظهما «تبقى ضعيفة في ظل نزول الوزيرين ريفي والمشنوق الى المضمار»، لا سيما أن «الاثنين يخوضان المعركة من داخل وزارتيهما اللتين تُعدّان الأهم والأكثر حساسية».

مصادر المستقبل: الحريري باق في الخارج حتى تأمين ظروف العودة


رصد الوزير ريفي من قبل التيار لا يتوقف. يخوض وزير العدل معركته «بطريقة مختلفة عن المشنوق». يتصرّف «كأنه لم يُصبح وزيراً بعد». بقراراته ومواقفه يريد القول إنه «دخل إلى الحكومة للعب دور رأس الحربة». يحاول «إظهار نفسه صقراً لا يمكن أحداً أن يحدّ من طموحه في التحليق». يجلس الى طاولة مجلس الوزراء لهدف واحد: «مواجهة حزب الله ومشروعه وامتداده». في رأي مصادر التيار، «ما يقوم به وزير العدل يلبّي تطلعات الشارع السنّي وجمهور تيار المستقبل. فهو من جهة يحافظ على لغة متطرّفة لا يمكن أي سياسي في المستقبل تجنّبها في ظل تنامي الحركات الإسلامية. ومن جهة أخرى يرسم لنفسه صورة محارب بلباس سياسي». كل هذه العوامل فرضت اسم ريفي منافساً جدياً لسلام والسنيورة.
ولكن، رغم الحظوظ القوية التي يتمتع بها ريفي، يبقى المشنوق في صدارة المرشحين. منذ دخوله مكتب «الداخلية» في الصنائع، بدأت ترتسم ملامح معركته بوضوح. يبدو كرجل آلي لا يهدأ، موجّهاً رسائله السياسية في كل الاتجاهات. مصادر في التيار ترى أن أسلوبه «أكثر ذكاءً» من أسلوب ريفي. ففي ظل تأكيد تيار المستقبل على «حربه مع التكفيريين المتربصين به، وحزب الله الذي يُعيق مشروعه»، يحافظ وزير الداخلية «على خطابه المتشدّد في السياسة، مع اعتماده مبدأ تدوير الزوايا مع الجميع، حلفاء وخصوماً». يمكنه أن ينزل إلى الضاحية الجنوبية ويطلق موقفاً ضد حزب الله، ويعود فيعقد اجتماعات تنسيقية مع مسؤولين فيه. يقصد معراب، ومنها يتوجّه إلى الرابية. يطلب موعداً للقاء الرئيس نبيه بري في عين التينة، ويجد لنفسه وقتاً لينضم إلى خلوة مع النائب وليد جنبلاط. يسعى المشنوق، من خلال تعاطيه هذا، الى القول لخصومه إنه، رغم تشدّد مواقفه، «يمكنه كوزير للداخلية أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، فكيف إذا أصبح رئيساً للحكومة؟».
أما الرسالة الى حلفائه فهي أنه «قادر على أن يكون حازماً وحاسماً في التعبير عن تطلعات المستقبل، من دون أن يحول ذلك دون اتصاله مع الطرف الآخر».
حتى الآن، لا تزال المعركة غير معلنة. لكن التنافس بين الشخصيات الأربع على أشدّه. كل واحد منهم «يستعرض كمية هائلة من القدرات في سبيل الوصول إلى الهدف». رغم ذلك، يبقى عنصر المفاجأة وارداً بقوة، ويبقى الجميع، في غياب الحريري، مرشحاً... حتى يثبت العكس.