قبل 3 أيام، أعلنت الولايات المتحدة استنفاراً من نوع جديد لحرب أخرى آتية. حرب إلكترونية واسعة النطاق يقودها جيشٌ يعدّ آلاف المبرمجين والقراصنة والجواسيس ومنفّذي العمليات العسكرية عن بُعد. يوم الجمعة الماضي، أعلن وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل على الملأ تأليف «جيش إلكتروني ضخم يتمتّع بقدرات سايبيرية كاملة»، مهماته تدمير وتخريب أنظمة كومبيوتر العدو وإكمال مهمات عسكرية أخرى، على أن يبلغ عديد الجيش السايبيري «6 آلاف شخص بحلول عام 2016»، حسب هاغل.الحرب الإلكترونية قائمة بين الدول الكبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة، صحيح، لكن واشنطن تعلن هذه المرة انتقال دفّة معارك الـ«سايبر» من المؤسسة الاستخبارية الى المؤسسة العسكرية، إذ قرر البنتاغون تدعيم قواته الإلكترونية وتفعيل قدراته السايبيرية الهجومية والدفاعية. «سيندمج اختصاصيو السايبر المدرّبون مع قياداتنا المقاتلة حول العالم» شرح هاغل، ليحسم «السايبر سيكون جزءاً من كل الصراعات القادمة».

وزير الدفاع الأميركي تحدّث علناً من داخل مركز «وكالة الأمن القومي» NSA من قاعدة «فورت مايد» (ولاية ماريلاند)، وهو الظهور الأول من نوعه في تاريخ الوكالة الاستخبارية، وذلك في حفل وداع قائد «القيادة الإلكترونية» السابق كيث ألكسندر. ألكسندر، الذي ينهي أكثر من 8 سنوات في رئاسة الوحدة الاستخبارية على وقع فضائح «الوكالة» التجسسية التي كشفها الموظف السابق فيها إدوارد سنودن. لكن، رغم كل ما كشفته الوثائق المسرّبة حول تخطّي «الوكالة» حدودها التجسسية ومخالفتها القوانين الأميركية (بالتجسس على هواتف المواطنين الأميركيين) والدولية (بالتجسس على زعماء بعض الدول وعلى اجتماعات الأمم المتحدة)، يبدو أن واشنطن ماضية في نشاطها السايبيري وها هي تضيف إليه مهمات عسكرية ـــ حربية.Computer Warriors أو «مقاتلو الكومبيوتر» هكذا وصف البنتاغون مجموعة «المهنيين والاختصاصيين» المدرّبين على أيدي ضبّاط «وكالة الأمن القومي» الذين سينضمّون بخبراتهم الى صفوف العسكر. وهكذا أعلن هاغل توسيع وحدة «الحرب السايبيرية» التابعة للبنتاغون بحيث ستصبح «إحدى أكبر الوحدات من نوعها في العالم».
لكن، بعد ذلك الإعلان الصريح عن استنفار عسكري للحروب السايبيرية المقبلة، وبعد الكلام عن نشر الاختصاصيين الاستخباريين جنباً الى جنب مع الجنود في القواعد العسكرية الأميركية، ها هو هاغل يردف في خطابه أن «الولايات المتحدة لا تسعى الى عسكرة الفضاء الإلكتروني»(!) بل ستكون «شفافة ومفتوحة للحلفاء كما للمنافسين». الوزير الأميركي وعد بأن «تعتمد وزارة الدفاع على مبدأ ضبط النفس في ما يخصّ أي عملية سايبيرية خارج الشبكات الحكومية». وعدٌ، من الصعب تصديقه، وخصوصاً بعد فضائح «وكالة الأمن القومي» التي تمادت في خرق الخصوصيات والاعتداء على سيادة الدول وزعمائها وحتى على المواطنين الأميركيين، بعدما باتت تمتلك قدرات تجسسية هائلة. وهنا، لا بدّ من التذكير بآخر فضائح «وكالة الأمن القومي» التي
نشرت الأسبوع الماضي في «ذي نيويورك تايمز» الأميركية و«دير شبيغل» الألمانية، وهي تكشف اختراق «الوكالة» التجسسية الأميركية شبكة الاتصالات الصينية العملاقة «هيواوي». NSA تزعم أن شركة الاتصالات الصينية «تشكّل تهديداً لأمن الولايات المتحدة»، والصين تردّ أن «ذلك عمل يدلّ على نفاق الولايات المتحدة وحكمها الاستبدادي»، كما علّق المتحدّث باسم وزارة الدفاع الصينية عقب كشف التقرير ـــ الفضيحة.
فكيف سيفسّر هاغل، وزير الدفاع، ذلك الأمر للمسؤولين الصينيين عندما يلتقيهم الأسبوع المقبل في أول زيارة له للصين؟ وهل يحقّ لواشنطن بعد اليوم أن تتهم الصين بعسكرة المجال الإلكتروني؟