عادت طرابلس مدينةً تضجُّ بالحياة، لكنّ أحداً من أهلها لا يُصدّق أنّ جولات الاشتباكات فيها انتهت إلى غير رجعة. المدينة التي تنفض عن نفسها غبار عشرين معركة أو يزيد، تعيش فرحة غير مسبوقة. لا يُعكّر صفوها سوى ترقّب حذر تتسبب به «الخطة الأمنية البتراء».
ووصفها بالبتراء، أو الناقصة، سببه أن الجيش لم يوقف، حتى اليوم، أحداً من المشاركين الأساسيين في اشتباكات باب التبّانة ــــ جبل محسن، ولم يُنفِّذ أي عملية دهم لمخزن أسلحة في أي من المنطقتين، رغم تأكيد المصادر الأمنية «تنفيذ عمليات دهم لجميع الأماكن المشتبه في استخدامها مخازن للأسلحة»، والإشارة إلى أنّ «محتوياتها كانت قد أفرغت منها لتوزّع بالمفرّق على عشرات المنازل».
في باب التبّانة، حتى قادة المحاور لا يزالون في أماكنهم. لم يدهم منزلُ أحدٍ منهم. حالهم على حاله، باستثناء تجنّبهم الظهور في وسائل الإعلام. يُسجّل إلى جانب ذلك، وقفهم الاستعراضات المسلّحة التي كانوا يُنفّذونها سابقاً. على سبيل المثال، يُنقل أن سعد المصري شوهد منذ يومين وحده يزور أحد المنازل معزِّياً بشاب قُتل على خلفية ثأر قديم بين عائلتي الليزا والأسود، فيما سُجّل ظهور لزياد علوكة في الحارة البرّانية. كما خرج هذان، إلى جانب كل من السلفي أسامة منصور ومحمود الحلّاق، المطلوبين بموجب مذكرات توقيف، في تظاهرة تطالب بالعفو العام. وكل ذلك يوضع في خانة تطمينات تلقّوها بأنهم لن يُمسّوا إن التزموا التهدئة. ورغم وضع إمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي ذلك في خانة عُربون «حُسن النية» بأنّ غاية الجيش سلام التبّانة وأمنها وليس الصدام مع أبنائها، إلّا أن ذلك يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال تجدد اندلاع الاشتباكات في أي لحظة.
لم يتوار عن الأنظار غير حسام الصبّاغ. عاد الرجل إلى «غيبته الصغرى». ترك منزله ومزرعته منتقلاً إلى مكانٍ ما. ربما المكان نفسه الذي قضى فيه نحواً من خمس سنوات إثر تسطير مذكرة توقيف بحقه عام ٢٠٠٧ (على خلفية اتهامه بتشكيل مجموعة مسلّحة لإرسال مقاتلين إلى العراق).