جلست «الحاجة» في زاوية شرفة منزلها «المخردقة» تتأمّل المباني المقابلة. من هناك كنّا نستهدف، لسان حالها يقول. جالت ذهاباً وإياباً كأنها تعوّض ما فاتها «أيام القنص». صاحت لجارتها... مدحت الطقس المشمس. «بلكي مناخد الولاد عل مراجيح»... اتفقت الجارتان ودخلتا منزليهما.
هناك سحر يلفح شارع سوريا ومتفرعاته في التبانة. قوة خفيّة «أمرت» بأن يطول السِّلم هذه المرة. من «طلعة العمري» باتجاه «مشروع الحريري»، الطريق سالكة من السادسة صباحاً حتى السابعة ليلاً. هكذا يريد الجيش. «الأمر له» هذه المرة. «نص نهار» كافٍ ليظهر «الحارة بالألوان». حبال الغسيل امتلأت. وكأنّ «سكان المشروع» استخدموا الغسالات «جماعة».
قرب «محور ستاركو»، يطالب رجل «بزوْدة» على إيجارات محاله الثلاثة. لم يعد يقبل بـ10 آلاف دولار سنوياً. في الشارع، بين «القهوجيّي» (باعة القهوة المتنقلين) وزبائنهم حديث واحد عن المحالّ التي سيعاد تأجيرها أو افتتاحها... عن «الحركة» التي ستعود.
مرّت مجموعة صحافيين مصورّين لم «يلتقطوا» سوى الابتسامات. لا حاجة إلى «مساعد» في التبانة اليوم. لا أثر «ميليشياوي». «الدولة» الوجه المسلّح الوحيد. الوجوه البسيطة المتنقلة بين الشوارع تشبه من انعتق من الرق. فرحون بحرية التنقل. فرحون «بالغرباء». يريد فتح «الحدود». «مطوّلة انشاالله»، يؤكدون.
على مدخل شارع سوريا، أعاد «ابن خليفة» افتتاح محله. الرجل يبيع الورود. لا يزال هناك، باعتقاده، مكان للحب بين الناس هنا.
«قادة المحاور» كانوا وحدهم الحاضرين الغائبين. أُزيحوا عن المشهد. موجودون، لكن خلف الستارة. «الجمهور» في التبانة ارتضى ذلك. بهجة غريبة تعمّ الأرجاء. لم يشكوا، كالعادة، من «قرب الجولة» المقبلة... من تهدئة هشّة.
«القائد» سعد المصري اعتاد أيام السبت أن يجول مع «الشباب» ليصل خارج حدود التبانة و«المناطق الفقيرة». توقفت «العراضات». هي «اليد الخفية». يعرّفها الجميع هنا: «في قرار من فوق، تسوية أكبر منّا».
حالة من التسليم القَدَري حلّت على النفوس. حاضنو «قادة أمس» أصبحوا ضمن سيناريو آخر. لا ينكرون على «الشباب» دفاعهم عن أحيائهم.
أول من أمس، رمى حسين الجندي قنبلة في بعل الدراويش. بعد دقائق «يعمّم» على «الواتساب» الاسم الكامل لشاب من حارة الجديدة في جبل محسن يُتهم برميها. لم تمّر «المزحة» على الأهالي... وعلى الجيش طبعاً.
الجندي سلّم نفسه في اليوم التالي، بعدما دوهم منزله وصودرت سيارته التي فرّ منها قبل يوم. رامي القنبلة كان «إلى جانب صديق». هذا الأخير ليس سوى ابن «قائد»... قائد دفعه «الزمن» الحالي إلى أن يحلق شعره الطويل... ويتوارى.
شاب آخر «تعامى» عن الحقيقة المُرّة. كان قبل أيام يدعو أحد جنود الجيش اللبناني في التبانة إلى الانشقاق. رآه أول من أمس. «أخذه بالأحضان».