لم تدع هيئة التنسيق النقابية نهار أمس يمر من دون أن تُسمع أهل البرلمان صوت المعلمين والموظفين والعمال ولو من خلف جدران المجلس النيابي. توجه قادة الهيئة بعيد اجتماعهم بعد الظهر إلى الباحة الداخلية للمجلس ليلوّحوا بانتفاضة شعبية سيرسمون ملامحها في مؤتمر صحافي يعقدونه عند الرابعة من بعد ظهر اليوم، في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي. صوّبوا كلامهم باتجاه «حيتان المال»، مجددين اعتراضهم على المس بأرقام السلسلة تحت ستار «القصة الممجوجة»: إيرادات سلسلة الرتب والرواتب.
صدح صوت الحقوق في موازاة صوت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وصوت تجمع أصحاب الرساميل اللذين ارتفعا صباحاً، من تحت قبة المجلس. الحاكم شرح مخاطر السلسلة في مداخلة دامت ساعتين مقترحاً تجزئتها على خمس سنوات، وأصحاب الرساميل أعادوا النقاش إلى المربع الأول عندما طالب رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس بتحويل تمويل السلسلة إلى لجنة مصغرة، سواء أكانت اللجنة النيابية الفرعية أم لجنة أخرى، من أجل إشباع الملف درساً وتمحيصاً.
ما قاله سلامة في ما يتعلق بالتجزئة مرفوض رفضاً باتاً من الهيئة، وخصوصاً أنّ «لدينا في ذمة الدولة مفعولاً رجعياً عمره 18 سنة، فشو رأي الحاكم؟». أما الكلام على خفض أرقام السلسلة الذي أشيع في الأيام الأخيرة «فهو دليل على عدم احترام المسؤولين لتواقيعهم والاتفاقات التي أبرموها مع هيئة التنسيق». الهيئة رفضت أيضاً ضرب حقوق المتقاعدين، مؤكدة ضرورة إحالة السلسلة على الجلسة التشريعية المنعقدة يومي الأربعاء والخميس المقبلين، وإلا فـ«سنسمعكم صوت الشارع، وإن كنا نتمنى أن تبعدوا عن البلد هذه الكأس المرة».
الدقة والتأني والحذر. انبعثت أمس هذه المفردات الذهبية من جديد لترافق أعمال جلسة اللجان المشتركة فتعيد أجواء النقاشات إلى ما قبل سنتين. فرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان دعا إلى «اعتماد الدقة في البحث الجاري في شأن السلسلة». وزير الخارجية جبران باسيل هو الآخر أبلغ رئيس الحكومة تمام سلام موقفاً من التيار الوطني الحر «يؤيد التعامل بكثير من التأني والحذر مع ملف السلسلة كي لا يقع لبنان في أزمة اقتصادية متفاقمة». عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب حكمت ديب رأى هو أيضاً أنّ «من المنطق عدم إقرار السلسلة إذا لم يتم تأمين الأموال اللازمة لها». وأكد أهمية أن «نبحث بدقة وعناية لإيجاد تمويل السلسلة من دون استهداف الشرائح الفقيرة التي هي في غنى عن الرسوم الإضافية التي قد تقر، ويجب ألا نعوّل على جيوب الفقراء دائماً».
وحده أمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان أبدى موقفاً متمايزاً عن زملائه في التيار. بدا متحمساً لإنجاز السلسلة بسرعة حين جدد القول إنّه «لا يجوز أن يعاد النقاش في مشروع بهذا الحجم أخذ تمحيصاً مدة خمسة أشهر وأكثر من 40 جلسة، حتى لو كان النظام يسمح بأن تعاد المناقشة من جديد». ورأى أنّ «ما من أمر يمنع إقرار السلسلة إذا توافرت الإرادة لذلك».
في المقابل، يبدو عضو كتلة المستقبل النيابية النائب غازي يوسف أكثر النواب صراحة في الإعلان جهارة عن الموقف الواقعي بعيداً عن مزايدات «الشعبوية» وكسب ودّ القواعد المناصرة للأحزاب السياسية، إذ أكد بوضوح أنّه «لن يتم إقرار السلسلة بالشكل المقدمة فيه للجان المشتركة، مشيراً إلى أنّه إذا أقرّت من دون إيرادات فستؤدي إلى أزمة اقتصادية كارثية»، ولفت إلى أنّ «الاتفاق على السلسلة ممكن إذا وعى كل الأفرقاء خطورتها وإذا تم النظر بموارد غير ضريبية، وإلا فليتم سحبها».
والتقى في رأيه مع رأي تجمع أصحاب الرساميل لجهة تقليص النفقات الجارية في الموازنة، لا سيما النظر في عجز مؤسسة كهرباء لبنان الذي يبلغ ملياري ليرة لبنانية.
في النقاش داخل جلسة اللجان المشتركة التي ترأسها نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، برز موقفان بشأن الضريبة على القيمة المضافة؛ الأول اقترح زيادتها من 10% إلى 12% على كل السلع والمواد. أما الموقف الثاني فتمثل بزيادة الـTVA على الكماليات مع توسيع مروحتها لتشمل العطور وأدوات التجميل والمشروبات. ورفع بتّ هذا البند إلى جلسة اليوم ليأتي النواب بمواقف أحزابهم السياسية.
وعُلم أن نطاق اقتراحات التمويل تناول رفع الدعم عن قطاع الكهرباء ووقف الهدر والتهريب وضبط الجمارك، بالتزامن مع طرح فكرة خفض نسبة الزيادة البالغة 121 في المئة على قاعدة تنحيف السلسلة وترشيد الواردات. وأقرّ البند الخاص بزيادة الرسوم على رخص البناء.
إشاعة أجواء خفض أرقام السلسلة وتجزئتها وضرب حقوق المتقاعدين
تتقاطع أجواء القوى السياسية مع حملة مواقف لأصحاب الرساميل. فقد حضرت «الهيئات الاقتصادية» بشخصي نقولا شماس ومكرم صادر للقاء مكاري، مستبقة بدء الجلسة. فدعا الشماس إلى ضرورة التريث في بت موضوع كلفة السلسلة حتى تكون ثابتة ولا تتغير كل يوم، وطلب مقاربة للتمويل وفق ثلاثة بنود: تقليص النفقات الجارية في الموازنة، لا سيما النظر في عجز مؤسسة كهرباء لبنان لجهة الشراكة بين القطاعين العام والخاص على المدى المتوسط، تحسين جباية الضرائب والرسوم القائمة حالياً، لا سيما في المرافق العامة والضريبة على القيمة المضافة وغيرها، والنظر في سلة جديدة من الضرائب لا ترهق الخزينة ولا الاقتصاد الوطني ولا تضرب القطاعات الانتاجية.
وشدد شماس على إشراك «الهيئات الاقتصادية» في أعمال اللجنة «نظراً لحرص وجدية ومصداقية ومعرفة الهيئات بالموضوع المالي والاقتصادي».
لم يتردد في طلب إعادة الاعتبار إلى موضوع التقسيط الذي اقترحته الحكومة السابقة وتبنته كل الجهات المالية والنقدية، أكان في لبنان أم خارجه. وتحدث عن «إرفاق آثار السلسلة مع الإصلاحات الإدارية الضرورية التي أتى ذكرها في بيانات اللجنة الفرعية».
لم يكن موقف رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين نعمة افرام بعيداً، إذ نبّه إلى أن «إقرار الزيادات في ظل مجمل الواقع السائد ستتم ترجمته في غلاء للمعيشة مع ارتفاع سعر سلة الاستهلاك بشكل غير طبيعي يترافق مع تراجع دراماتيكي في القوة الشرائية لدى المواطنين وزيادة في قيمة الضريبة المضافة، بحيث يكون التمويل من جيب المستهلك وعلى حسابه، وبمعنى آخر من كل من حصل على الزيادة، وبالتالي هذه الزيادة لن تكون مجدية».
هذا الجو استنفر أيضاً اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان (أصحاب المدارس الخاصة) الذي سارع إلى الدعوة لعقد اجتماع استثنائي يوم غد الأربعاء، للوقوف على آخر مناقشات المجلس النيابي للسلسلة ولإعلان التحركات إذا لم يأخذ النواب بالاقتراحات التي سبق أن قدمها الاتحاد إلى جميع المراجع الرسمية بهدف تحقيق تشريع عادل يحفظ حقوق جميع أفراد الأسرة التربوية.