لم يُظهر سفراء دول كبرى امام المسؤولين الرسميين اهتماما بانتخابات رئاسة الجمهورية اقل من المسؤولين انفسهم. تفادوا اشعار محاوريهم بتوقع تدخل غربي وشيك لتسهيل انتخاب الرئيس وتفادي الفراغ. لم يروا ايضا ان مرور الوقت، في الاسبوعين الاولين من المهلة الدستورية، حجة كافية للقلق على الاستحقاق من مأزق يهدده بالوقوع في الفراغ.
بعض الذرائع التي ساقوها عن اشارات خارجية جدية استعجلت تأليف حكومة الرئيس تمام سلام بعد اكثر من عشرة اشهر من التعثر، ثم اخراج البيان الوزاري من تخبطه طوال ثلاثة اسابيع، ان تدخلهم يصبح ضرورياً وحتمياً بعد ان ينقضي وقت اكثر مما يقتضي، بحيث يتأثر الاستقرار مباشرة باهدار الوقت. حينذاك، بسحر ساحر، أبصرت حكومة سلام النور وأعلن عن الاتفاق على البيان الوزاري في ساعة متقدمة من الليل. لم يكف الهاتف عن الرنين من اكثر من مقر سفارة كبرى، واحياناً من خارج البلاد ــــ يقول هؤلاء السفراء ــــ في الساعات القليلة التي سبقت تأليف الحكومة وانجاز البيان الوزاري. على نحو مماثل، يقولون، سيختبر الاستحقاق الرئاسي بدوره عامل الوقت. يبقى بين ايدي الافرقاء اللبنانيين المعنيين الى ان يصطدموا بمأزق يجعله في خطر، فيتدخلون عندئذ.
بيد ان السفراء الغربيين يدلون ببضع ملاحظات بازاء استحقاق دخل في صلب المهلة الدستورية:
اولاها، ان لا اوهام لديهم من ان ليس في وسعهم في الوقت الحاضر التأثير على المرشحين للرئاسة، او الطلب من اي منهم الانسحاب لسواه، وهو امر يتعارض مع الممارسة الديموقراطية السليمة، ما يقتضي احترامهم هذه القاعدة. بالتأكيد ليس في تقاليد عملهم ابداء رأي في شأن الداخلي. يقصّ بعضهم على المسؤولين ان احاديث تروى امامهم في مناسبات اجتماعية بغية استدراجهم الى الخوض في الاستحقاق، فيتصرّفون يتجاهل تام حيالها بأذن صمّاء. لا يزال الاستحقاق في ايامه الاولى التي تشهد تنافسا تتدرّج حدته كلما ترشح احد بارز، وبدا انه يكسر قواعد الجمود الذي احاط بالانتخابات حتى الآن. ليس بين المرشحين مَن يُشعر نفسه او منافسيه بأنه يهدّد الاستقرار، ولا يبدو الافرقاء المؤثرون في هذا الفريق او ذاك مستعجلين الافصاح عن مرشحهم.
ثانيها، يقلل بعض السفراء من قلقهم حيال مصير الانتخابات اعتقادا منهم، مذ ابصرت حكومة سلام النور، بان لا خطر جدياً وداهماً على حصول فراغ. قد يشغر منصب الرئيس في حال تعذر الاتفاق على مرشح له، الا ان صلاحيات رئيس الدولة ستكون بين ايدي حكومة الائتلاف وخصوصا تيار المستقبل وحزب الله. لكن عدم انتخاب الرئيس ينبغي ان لا يؤدي الى زعزعة الاستقرار. اثار انتباههم ما سمعوا من رؤساء احزاب وسياسيين، في لقاءات معهم او في وسائل الاعلام، ان عدم انتخاب الرئيس ليس آخر الدنيا. الا انهم لا يترددون في اطراء رئيس الحكومة على مواقفه الاخيرة، في اكثر من مناسبة، وتشديده على ان حكومته ليست لملء الشغور في رئاسة الجمهورية، بل السعي الى انتخاب الرئيس. يقابله الزعماء المسيحيون وبكركي بالاصرار على انتخاب الرئيس في المهلة الدستورية ومشاركة النواب جميعا في جلسة الانتخاب.
ثالثها، يقولون ايضا ان الغرب لن ينتظر يأس الافرقاء اللبنانيين وجهرهم بوصولهم الى المأزق كي يتدخل. بل ترى حكومات بعض السفراء ــــ ممّن تعتبر نفسها معنية مباشرة بلبنان ــــ ان من الضروري اتضاح مسار الاستحقاق في حد اقصى هو نهاية نيسان ومطلع ايار. وهو الوقت الحتمي لبدء مرحلة من التشاور تصل الى الضغط على الافرقاء لانجاز استحقاقهم. يقول السفراء المنادون بهذا الرأي انهم يفضلون التوافق على الرئيس الجديد قبل 25 ايار تفاديا للفراغ، الا انهم يحبذون هذا التوافق ايضا قبل الذهاب الى جلسة الانتخاب.
رابعها، يعلق السفراء الغربيون اهمية خاصة على رئيس المجلس نبيه بري لدوره المزدوج في الاستحقاق: توجيهه الدعوة الى جلسة الانتخاب في نطاق صلاحياته الدستورية، والاتصالات والمساعي التي باشرها لتوفير مناخ ملائم لاكتمال نصاب جلسة الانتخاب. بيد انهم يعترفون، على الاقل حيال انفسهم، بصعوبة التوفيق بين مسارين متناقضين يتجاذبان الاستحقاق، ويتساءلون عن مدى مقدرة رئيس البرلمان على جمع خطين متوازيين: التوافق على الرئيس قبل الوصول الى جلسة الانتخاب، او حضور الجلسة والاتفاق على الرئيس بعد التئام نصابها.
خامسها، يقول بعضهم ان توجيه دعوة مبكرة الى جلسة الانتخاب من شأنه بلورة مسار الاستحقاق، سواء قبل الوصول الى موعدها او ابانها ما يحمل التكتلين الرئيسيين، قوى 8 و14 آذار، على تحديد خياراتهما بالتنافس بين مرشحين على المنصب او التوافق على مرشح واحد. بذلك يتحوّط الجميع من الانزلاق الى الايام الاخيرة من المهلة الدستورية وتعذّر الاتفاق، عندئذ، تحت ضغط عامل الوقت. سادسها، ان قرار رئيس المجلس وهيئة مكتبه في 27 آذار باحتساب الثلثين نصابا دائما للحضور في كل دورات الاقتراع، حسم في اذهانهم ما كانوا يسمعونه من اراء متضاربة من زعماء سياسيين كانوا يجتمعون بهم في مناسبات شتى، عكست خلافا ــــ وان اقل حدة ــــ لما كان قد رافق الاستحقاق الرئاسي عامي 2007 و2008. ناهيك بقول بعض الزعماء والسياسيين ان الخلاف على النصاب من شأنه تشجيع تعطيل الانتخاب. سرّ السفراء الغربيين ان تحديد النصاب، في معزل عن القرار نفسه، قررته هيئة المكتب بممثليها في قوى 8 و14 آذار واتفاقهم على آلية سحبت من التداول جدلا دستوريا متشعبا. مع ذلك لم يجدوا حرجا في طرح اسئلة على محاوريهم المسؤولين الرسميين، لم يعثروا تماما على اجاباتها: كيف يمكن ضمان نصاب الثلثين لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس في كل دورات الاقتراع في ظل الانقسام الحالي بين التكتلين الكبيرين؟ هل في وسع احد من المرشحين الكبار الوصول الى الرئاسة من الدورة الاولى للاقتراع او من الدورة الثانية حتى ضامنا بقاء ثلثي النواب في قاعة المجلس بعيدا من التوافق عليه؟ هل في الامكان اقناع المرشحين الكبار بالتخلي لمرشحين يمكن عدّهم صفا ثانيا بغية انتخاب احدهم؟