من عام 1997 حتى 1999، شغل دوري غولد موقع مندوب اسرائيل لدى الأمم المتحدة، وعمل مستشاراً لشارون، ونتنياهو، ولعب أدواراً دبلوماسية في ظل حكومات اسرائيلية عدة وخلال مفاوضات أوسلو وغيرها. كتابه «مملكة الكراهية» الذي أصدره عام 2003، انتقل أخيراً إلى المكتبة العربية (دار الجمل ـ ترجمة محمد جليد)، مورداً أنّه يستند إلى «وثائق استخباراتية غير منشورة لإقامة الصلات بين الارهاب العالمي وايديولوجيا الكراهية التي يجري تشرّبها في المدارس والجوامع في المملكة». أرسى محمد بن عبد الوهاب (1703ــ 1791) مبادئ الإسلام التكفيري في المملكة العربية السعودية، أواسط القرن الثامن عشر. مذهب ديني متشدّد وعنفي أخذ يشق طريقه كتقليد ديني منحرف، وجد فيه مؤسس المملكة محمد بن سعود عوناً له في ترسيخ حكمه على القبائل. هكذا، عقد معه ميثاقاً، أسّس بموجبه الدولة السعودية الأولى، ووضع ابن عبد الوهاب عقيدتها الرسمية في صفقة متبادلة بين الاثنين.
تحالف سياسي - ديني محمول على عقيدة تعتبر كل من يخالفها مشركاً وكافراً، وهذا ما يوضحه ابن عبد الوهاب في كتابه «التوحيد». يحتشد الأخير بأجندة صارمة في فهم الإسلام عنوانها الأساسي التطرّف والوحشية وضرورة الجهاد عبر حملات عسكرية. استكملها لاحقاً عبد العزيز بن سعود نحو الخليج العربي وجنوب العراق والصحراء السورية، مقوّضاً بذلك السلطة الدينية للخليفة العثماني سليم الثالث، قبل أن تكتسح الحملة المصرية التي أرسلها محمد علي باشا إلى الحجاز والمدن المقدّسة لتنتهي الدولة السعودية الأولى باستسلام عبد الله بن سعود وأسره، ثم ضرب عنقه في اسطنبول. لم تندثر الوهابية بموت مؤسسها، بل اكتسبت تأثيراً مدهشاً داخل أمكنة أخرى من العالم الإسلامي مثل الهند وباكستان واندونيسيا. كذلك لم يعن سقوط الدولة السعودية نهاية الوهابية في الجزيرة العربية. في سنة 1825، عاد حفيد ابن عبد الوهاب، عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، من المنفى، ودعا القبائل إلى «الإسلام الأصيل»، وأنكر أفعال الشرك.
ورغم انهيار الدولة السعودية الثانية على يد العثمانيين، كانت جاذبية المذهب الوهابي تزداد قوة، بتبني الرشيديين، خصوم آل سعود، الدعوة الوهابية، لتنتشر في القرن التاسع عشر على نحو كاسح. أسّس سليل محمد بن عبد الوهاب، عبد الله بن عبد اللطيف تنظيماً دينياً جديداً باسم «الإخوان» يقوم على التعاليم الوهابية الصارمة، لينتشر لاحقاً باسم «حركة الهجرة» عبر الجزيرة العربية، في غارات عسكرية مهمتها سلب القوافل وشنّ الحروب ضد المشركين، ونهب الأضرحة وتدميرها. وقد استغل ابن سعود هذا التنظيم في حروبه ضد الهاشميين بمساعدة البريطانيين، ما اعتبره الوهابيون تعاوناً مع «قوة كافرة»، بعد موافقته على أن تكون نجد شبه محمية بريطانية. وهذا ما جعل البريطانيين يتخلون عن المملكة ويعترفون باستقلالها بعد معاهدة مشتركة عام 1927. تمكّن ابن سعود من إعادة بناء الدولة السعودية، بعد تدفّق النفط في المملكة، لتبدأ الحقبة الأميركية من جهة، والمواجهة مع الوهابيين من جهة ثانية. امتص نقمتهم باعتماده على العلماء، مستعملاً بانتظام هذه الزعامة الدينية لإصدار الفتاوى التي تبرر قضايا سياسية، مقابل منح المؤسسة الدينية احتكار السياسات التربوية والدينية، في محاولة احتواء أثر الوهابية في صناعة القرار السعودي. إلا أن «القشرة الصلبة» للوهابية ظلت سليمة برمّتها. بوفاة ابن سعود (1953)، اعتلى ابنه سعود العرش، وأصبح ابنه الرابع فيصل ولياً للعهد. أول ما قام به الملك الجديد كان إغلاق القاعدة الجوية الأميركية في الظهران، وسعى إلى استرضاء الراديكالية العربية، فخُلع من العرش ليخلفه فيصل بن عبد العزيز. عادت الوهابية معه إلى جذورها، نظراً إلى قربه من العلماء، فهم «قاعدة سلطة الملك». كان اختباره الأول صراعه مع جمال عبد الناصر والحركة القومية التي انتشرت سعودياً حتى بين بعض الأمراء، ما استدعى تأسيس «رابطة العالم الإسلامي» في مواجهة الأفكار الاشتراكية. ستلعب هذه الرابطة دوراً حيوياً في نشر الوهابية عالمياً عبر البعثات الدينية وجمع الأموال لبناء المساجد، وتوزيع أعمال ابن تيمية وابن عبد الوهاب، في محاولة «لوهبنة الإسلام في العالم كله». وقامت علاقة تكافلية حميمة بين الحكومة السعودية والنخبة الوهابية التي هيمنت على التعليم والجامعات، فشبّ جيل الثمانينيات على العقائد الوهابية التي أسهم في ترسيخها مدرسون من الإخوان الفارين من بلادهم. هنا، برز ابن باز، وهو فقيه أعمى، كإحدى المرجعيات الدينية الموقّرة، إلى جانب الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الابن البكر للمفتي العام الراحل الذي شجّع على محاربة إسرائيل، فيما كان الملك فيصل مهموماً بعدائه للهاشميين. لكنه سيضطر لاحقاً، إلى الانخراط في الصراع العربي- الإسرائيلي، على مضض، وتقديم المساعدات للفلسطينيين، واستخدام سلاح النفط في الصراع. على الصعيد الداخلي، قام بإلغاء العبودية في المملكة كجزء من برنامجه الإصلاحي، وأنصت إلى نصيحة الشيخ محمد بن إبراهيم الشيخ بوجوب تصدير إيديولوجيا الوهابية. هكذا بزغ «مشتل التطرّف الإسلامي المقاتل» بتأثير برامج الإخوان المسلمين في الجامعات. تلاقحت أفكار الوهابية مع فكر الإخوان في ضرورة استعادة العصر الذهبي للإسلام. طبع محمد قطب كتابات شقيقه سيد قطب التي تدعو إلى حتمية الانطلاق الحركي في صورة الجهاد بالسيف، إلى جانب الجهاد بالبيان. وستستقطب المملكة شخصيات إسلامية متشدّدة أخرى، مثل السوداني حسن الترابي، والفقيه المصري الأعمى عمر عبد الرحمن، والمصري أيمن الظواهري، والمفكّر الأصولي الفلسطيني عبد الله عزّام. الأخير سيترك أثراً كبيراً في نفوس الشباب السعودي، أبرزهم أسامة بن لادن. وسيتخذ الجهاد، على يد هؤلاء، بعداً عالمياً. ستستضيف أفغانستان معظمهم ليحلّ الصراع الأفغاني ضد السوفييت، محلّ القضية الفلسطينية، باعتباره يمثّل إجماعاً إسلامياً، وسيمتد الجهاد إلى الصومال وكشمير والفيلبين وحتى أميركا، بتدشين اعتداءات 11 سبتمبر.
تصدير العنف الإرهابي إلى الخارج، لم يمنع التحديات الداخلية للمملكة. عام 1979، أحكم مسلحون السيطرة على المسجد الحرام في مكة بقيادة جهيمان العتيبي، ومحمد القحطاني، أو « المهدي المنتظر» وفق ما أعلن عن نفسه. وكانت ذريعتهما ابتعاد المجتمع السعودي عن الإسلام الحق، كما كان لتسجيلات خطب الجمعة المحرّضة على الغرب وأميركا دور في خلخلة الاستقرار في المملكة، وبروز انشقاقات دينية داخلية، خصوصاً بعد حرب الخليج. تزعّم أسامة بن لادن تحت مسمى «القاعدة» العداء لأميركا ومعادة «المسيحية الصليبية». واهتم فقهاء وهابيون بمحاربة الحركات الشيعية، والحوار بين الأديان، وهدم معاقل «الكفّار». حاولت السلطة السياسية احتواء هذه التحوّلات، وامتصاص مخلفات أحداث سبتمبر بحملة دعائية مضادة في إنكار علاقة المملكة بما حدث، وبأنها حليف أميركي وفيّ، عبر تقديم تنازلات صريحة في مواقفها من الصراع العربي ـ الإسرائيلي. هكذا، أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة للسلام مع إسرائيل. لكن هذه المبادرات لم تعفِ المملكة من أنها آلة جهنمية لتفريخ الإرهاب في العالم وفقاً لاستنتاجات دوري غولد.