أطل رئيس نقابة أصحاب المؤسسات السياحية البحرية جان بيروتي، أول من أمس، بمؤتمر صحافي رعاه واستضافه وزير السياحة ميشال فرعون. بيروتي طالب بإعادة النظر في ما سمّاه «غرامة المئة ضعف» وقدم استقالته من نقابة المؤسسات السياحية احتجاجاً، فيما دعا فرعون الى عدم تعريض المؤسسات البحرية للخسائر.
يقول بيروتي «إن اللجان النيابية لم تتطرق إلى معالجة الإشغالات غير المرخصة جذرياً، بل فرضت غرامات من دون المساس بالجوهر (أي تشريع احتلال البحر)، وقد لحظت اللجان مفعولاً رجعياً للغرامات يعود إلى خمس سنوات سابقة وبرسوم تشكل خمسة أضعاف النسب المعمول بها حتى سنة 2014، عملاً بالمرسوم 2522 وبتخمين للمتر المربع يقدر بأربعة أضعاف التخمين المعمول به حتى سنة 2014 للاستثمارات». وأضاف: «إنها خمس سنوات سابقة مضروبة بخمسة أضعاف للنسب المعمول بها مضروبة بأربعة أضعاف التخمين المعمول به حتى تاريخنا، وبالاحتساب السهل، إنها غرامة المئة ضعف إذا ما قارنّاها بما يدفعه سنوياً المستثمرون المرخص لهم، وقد صورت خطأً للنواب وللرأي العام أنها الحد الأدنى من الغرامات، لا بل إنها صفقة مريحة للمستثمرين غير المرخص لهم». هل فعلاً تم تصوير الموضوع للنواب عن طريق الخطأ؟ وما مدى صحة المعادلة التي أطلقها بيروتي، أي «غرامة المئة ضعف»؟ بالعودة إلى مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، كما ورد من الحكومة، يتبين أن المادة 14 منه تنص على «استيفاء مبالغ على الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية دون إعطاء صاحب العلاقة أي حق مكتسب. وإضافة الى رسم الإشغال المقرر قانوناً، يفرض على كل من يشغل خلافاً للقانون أملاكاً عمومية بحرية، تسديد غرامات عن كامل فترة إشغاله المخالف للقانون، دون أن يوليه تسديد الغرامات أي حق أو مكسب من أي نوع كان. وتفرض تلك الغرامات عن كل سنة اعتباراً من تاريخ الإشغال وتحدد قيمتها بما يعادل ضعف قيمة الرسوم المتوجبة على الإشغالات المماثلة المرخص لها». يعترض بيروتي إذاً على أن الغرامات باتت خمسة أضعاف، لكنه يغفل عن أنها حصرت مدة الإشغال بخمس سنوات بدل احتساب سنوات الإشغال الفعلية، أي منذ تاريخ احتلال الملك العام، ولا سيما أن الكثير من الاحتلالات يعود الى 30 و40 سنة وأكثر. أما بالنسبة الى التخمين، فمن المعلوم أيضاً أن قيمة التخمين الحالية لم يجر تعديلها منذ عام 1992، وقد خضع هذا الامر لنقاشات مستفيضة مع أصحاب الشأن من خلال اللجنة التي شكلتها وزارة المالية والتي اجتمعت عدة مرات مع المعنيين من أصحاب الإشغالات وكانوا جميعهم متفقين على أن التخمين الحالي سوف يجري تعديله لأنه لم يعد يتناسب إطلاقاً مع أسعار العقارات التي ارتفعت مرّات عدّة. يؤكد بيروتي أن نقابة أصحاب المؤسسات السياحية البحرية تطالب المجلس النيابي بإعادة النظر في الغرامة التي أقرّت في اللجان المشتركة، وبإلغاء مبدأ مضاعفة النسب من 0،5% الى 2،5%، وإقرار معالجة جذرية للإشغالات غير المرخصة أسوة بالإشغالات المرخصة، وإعطاء حوافز تشجيعية لتسديد الغرامات ضمن مهلة التسعة أشهر تصل إلى حسم 50% من هذه الغرامات، وإقرار إمكانية تقسيطها بعد تعديلها على خمس سنوات ومن دون فوائد.
أصحاب الإشغالات يعرفون أن
التخمين الحالي سوف يجري تعديله
كذلك أمل بيروتي من وزيري الأشغال العامة والنقل والمالية إعادة النظر في أسعار التخمين المقترحة للعقارات تعديلاً للمرسوم 2522، آخذين في الاعتبار أن الاستعمال السياحي للملك العام خلافاً لغيره من الاستعمالات هو لفترة وجيزة من السنة تصل الى ثلاثة أشهر في أحسن الاحوال ولا يسمح بإقامة إنشاءات على الملك العام البحري سوى لأغراض سياحية تصل الى 5% فقط من مساحة الملك. في المقابل، ينص مشروع القانون على ألا تخضع هذه الغرامات لأي تسوية من أي نوع كان، ويقتضي تسديدها في مهلة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ نفاذ القانون، وتستحق غرامة تحصيل بمعدل 2 في المئة شهرياً من قيمة المبالغ غير المسددة اعتباراً من انتهاء مهلة الستة أشهر، ويعتبر كسر الشهر شهراً كاملاً. كذلك نص مشروع القانون على إمكانية تقسيط هذه الغرامات لمدة ثلاث سنوات غير قابلة للتمديد.
ومن المعلوم أنه لم يجر تعديل المرسوم 2522 منذ عام 1992، إذ بقيت الرسوم السنوية المترتبة على الترخيص بالإشغال المؤقت لهذه الاملاك على حالها، على الرغم من ارتفاع أسعار العقارات بوتيرة سريعة ومرتفعة وتسجيل مؤشّر الاسعار العام ارتفاعاً بأكثر من 200% في تلك الفترة، ما أدّى الى تآكل قيمة هذه الرسوم، الزهيدة أصلاً. وفي عام 2012 طرح وزير الاشغال العامّة والنقل غازي العريضي على مجلس الوزراء مشروع مرسوم لتعديل هذه الرسوم، وهو لا يختلف أبداً عن مرسوم عام 1992، إذ يكرّس مبدأ الاشغال شبه المجاني للاملاك العمومية البحرية، ويعتمد تخمينات منخفضة جدّاً لأسعار العقارات بالمقارنة مع الاسعار الرائجة، كما يعتمد رسوماً منخفضة على إشغالها واستثمارها لا تُقارن بأي شكل من الاشكال مع مستوى الارباح المحققة!
واقترح العريضي في مشروعه فرض رسوم بنسبة مئوية على أساس تخمين محدد لسعر المتر المربع الواحد بحسب المنطقة العقارية وطبيعة المساحة، وذلك بدلاً من قيمة الرسم المقطوع المحدد في مرسوم 1992، والذي كانت تراوح قيمته بين 15 ألف ليرة حداً أدنى في العريضة في عكار ومليون و250 ألف ليرة في ميناء الحصن في بيروت. ولقد حدد هذا المرسوم نسبة الرسم بـ0.5% للاستخدامات الصناعية والتجارية والمسابح من دون إنشاءات. وبعد أن أحيل المشروع على لجنة من وزارتي المال والاشغال العامّة والنقل للمزيد من الدرس وتوضيح آليات التخمين، وافق مجلس الوزراء على مشروع العريضي، لكنه لم ينشر في الجريدة الرسمية وبقي غير نافذ لأنه ربط بمشروع قانون الموازنة.
إزاء هذا التوضيح المهم، تصبح «غرامة المئة ضعف» كما سمّاها بيروتي مزحة سمجة، بالمقارنة مع النهب التاريخي والمنظم للأملاك البحرية من دون أي حسيب أو رقيب.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar