منذ نشأتها، تكافح قوى الرابع عشر من آذار عدم انفراط عقدها. تلك «الثورة» التي مثلت رأي شريحة كبيرة من اللبنانيين، لم تنفك تصيب جمهورها بالخيبة تلو الأخرى. أفل نجمها بسرعة، بعد أن تقاسمت مكوناتها الحزبية السلطة، تاركةً مستقليها في مقر في الأشرفية، يجتمعون كل أربعاء، مكتفين ببيان يُستهل بأفعال كـ«ندد» و«استنكر» و«أيّد»، ليعود بعدها رواد الأمانة الى شرب قهوة الست أنطوانيت.
الامانة العامة التي تعيش بفضل أجهزة التنفس الاصطناعي، تحاول في كل ظرف الاستفاقة من كبوتها لتوحي بـ«أننا ما زلنا هنا». وكلما خفت وهجها، تلجأ إلى «فنعة» ما تبقيها تحت الضوء الإعلامي. صارت أدراج «الأمين العام» فارس سعيد ملأى بالوثائق التي تصدر كل حين. هذا العام، وبدلاً من إصدار وثيقة، أحيا «مستقلو 14 آذار» فكرة إنشاء «المجلس الوطني».
أي عضو في
الأمانة يرغب في الانتساب إلى المجلس عليه
تقديم استقالته منها
تعود القصة الى عام 2011 حين تأسس المجلس الوطني السوري، فكان ملهماً للآذاريين الذين اعتبروه «حليفاً استراتيجياً»، كما يقول أحدهم. التصور «كان سيضم الحزبيين والمستقلين»، بيد أنه لم يُبصر النور بسبب «نجاح محاولات إحباطها من قبل أحزاب 14 آذار». نهاية الاسبوع الحالي ستُعلن هذه القوى، في مؤتمر صحافي، إنشاء «المجلس»، مستغلة «تلهّي تيار المستقبل بالحكومة، وحزبي القوات اللبنانية والكتائب بانتخابات رئاسة الجمهورية». منذ قرابة شهر، بادرت مجموعة تضم عدداً من المستقلين، منهم كمال اليازجي، إدمون رباط، سارة السيف، وشارل جبور إلى إطلاق نقاش جدي داخل الامانة العامة «لأن الوضع مش ظابط». تم البحث بداية في جدوى استمرار تحالف الرابع عشر من آذار، «لنتفق بعدها على أنه لا يمكن تخطي هذا الحلف». جميع المكونات مدركة أن «الانتخابات الرئاسية قد تعلن انفراط عقد هذه القوى رسمياً، في حال لم يتم التوافق على مرشح قوي، خاصة أنها تأتي بعد صدمتين نيابية ووزارية». فكّر أصدقاء فارس سعيد بصوت عالٍ، فكانت النتيجة «ضرورة توحد مجموعة من الأشخاص لا طموح سلطوياً لها، أولويتها الحفاظ على مبادئ فريقنا بعيداً عن الحسابات السياسية». ضاق «المستقلون» ذرعاً باحتكار الاحزاب «الحليفة» لقرار الفريق، «يسود شعور بأننا مبعدون وليس لدينا إطار تنظيمي للعمل، لذلك حان الوقت لنرفع الصوت». هذا هو تحديداً السبب الذي دفعهم الى تعديل الصيغة السابقة للمجلس، واتفقوا على «ألا يضم المجلس أي حزبي». القرار «صُنع في الأشرفية» من دون «الأخذ بمشورة الأطراف السياسية». يوضح أحد مؤسّسي المجلس أن ذلك «لا يعني أننا في مواجهة مع أحد. فهدفنا ليس نبش الدفاتر القديمة». إذاً الرؤية واضحة، «لن نسمح بتمرير أي اتفاق من دون الوقوف عند رأينا. نحن كتلة ضغط شعبية موجهة باتجاه الداخل الآذاري لتلافي أي انحراف في مسيرتنا».
يعوّل أعضاء الامانة العامة كثيراً على المجلس باعتباره حائط دعم لها، إضافة الى اعتقادهم بأنه «سيعيد الدينامية لشرائح الرابع عشر من آذار». يصفه المصدر «بالبرلمان الذي يهدف الى محاسبة الحكومة، ومعركته واضحة في مواجهة حزب الله».
سيتألف المجلس الآذاري بداية من هيئة تأسيسية تضم ما بين 10 و 15 شخصاً، «سيتولون وضع الاطار التنظيمي». وستتحول في غضون ثلاثة أشهر الى «هيئة دائمة تتلقى طلبات الانتساب الى المجلس، وعقد اجتماعات دورية تصدر في ختامها بيانات على غرار اجتماعات الامانة العامة». هي مستقلة عن الأمانة العامة، كما أنها لن تحضر اجتماعاتها، وأي عضو في الأمانة يرغب في الانتساب الى المجلس عليه تقديم استقالته منها أولاً. في المؤتمر الصحافي، سيتم الإعلان عن «أهداف المجلس التي تتركز حول تشكيل قوة ضغط ومهاجمة كل من يخطئ، حتى لو كانوا نواب فريقنا».
بالنسبة الى النائب فارس سعيد، هو ثابت في مركزه، «يواكب إطلاق المجلس من دون أن يقود العملية». على الرغم من أنه متحمس لانطلاق المجلس الوطني، «ليس في وارد تقديم استقالته من الأمانة». دوره الأساسي «توثيقي وتوفيقي بين مكونات الرابع عشر من آذار، وما المجلس إلا جسم إضافي لهذه القوى». يسجل «مؤسّسو» المجلس لسعيد «جرأته في فتح أبوب الأمانة أمامنا، وبالدعم الذي وفّره من دون الاكتراث برأي أي حزب آذاري»، الأمر الذي أعطى شرعية آذارية لعمل هذه المجموعة. ولكن ذلك لا يلغي أن هذا التنظيم مستقل، «وأن فارس سعيد ليس مرشده الروحي».