قدّم «رؤساء الساحات» في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قراءة موجزة للوضع الإقليمي، اتسمت بالحذر والابتعاد عن الجنوح الحاسم نحو التفاؤل أو التشاؤم. وتنقسم «الساحات» إلى ثلاث: جنوبية وتضم الأردن ومصر، وشمالية وتضم سوريا ولبنان، وفلسطينية وتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، وأضيف أخيراً إليها ساحة جديدة هي «الساحة الإقليمية».
والمسؤولون عن هذه «الساحات» هم ضباط برتبة عقيد يعملون في قسم الأبحاث في «آمان». تحليلات الضباط الأربعة وردت خلال مقابلة صحافية موحدة أجراها محلل الشؤون الاستراتيجية في موقع «واي نت»، رون بن يشاي، لمناسبة عيد الفصح اليهودي.
وفي سياق المقابلة، رأى المسؤول عن الساحة الشمالية، «روعي»، أن الحدث الأكثر أهمية في ساحته في الفترة الأخيرة هو قتال حزب الله في سوريا. وقال: «سنرى قريباً تداعيات هذا التدخل على الاستقرار في لبنان، وهذا الأمر مهم، لأن تفكك النظام اللبناني ينطوي على إمكانية تغيير إقليمي دراماتيكي ويؤثر فينا». وأوضح: «ظاهرة الجهاد العالمي التي نراها في سوريا تنزلق إلى لبنان. من كان يظن في الماضي أن سيارة مفخخة ستنفجر بالقرب من السفارة الإيرانية في بيروت؟ من كان يظن أن تطلق صواريخ على قرى شيعية في البقاع؟ من تجرأ في الماضي على القيام بذلك ضد حزب الله؟».
وقال أيضاً: «الآن بدأنا نرى محاولات للاحتكاك بقواتنا بالمعنى الواسع في الجبهة الشمالية، في الجولان وهار دوف (مزارع شبعا). ومن شأن ذلك أن يتسع».
ولخّص «دودي»، المسؤول عن الساحة الإقليمية، المشهد بالآتي: «ثمة دول قريبة من الانهيار، سواء سوريا أو ليبيا أو العراق، أو مناطق داخل الدول مثل سيناء. وهناك الشرخ السني ـــ الشيعي، وهو لم يعد دينياً في جوهره، بل أصبح استراتيجياً أيضاً. فإلى جانب الجهات المتقاتلة في سوريا مثلاً، نرى لاعبين كباراً، مثل إيران والسعودية، يتبادلون الضربات. والموضوع الثالث هو صعود الإسلام السياسي ثم تراجعه».
واعتبر ذلك تهديداً مباشراً على إسرائيل «فنحن نشكل قاسماً مشتركاً يمكن أن يتوحدوا مجدداً لقتاله. وحتى عندما يتقاتل الجهاديون، يمكن أن نجد أنفسنا وسط المعادلة». وأضاف: «هناك من يقول إن مستوى أمننا يتجه صعوداً لأن المنظومة الإقليمية ممزقة في صراعات وضعيفة، إلا أنني أعتقد أنه في وضع كهذا يزداد احتمال سيناريوات التصعيد، وهذا ليس في مصلحتنا».
وعن الشأن الإيراني، يقول إن بالإمكان رؤية «شيء متغير في إيران، ونقدّر أن هذا التغيير ليس تجميلياً بل جوهري. إلا أن التحدي الذي يضعونه أمامنا قائم، وبحسب تقديري سيواصل الجيش مواجهته في المستقبل.
من جهته، رأى مسؤول الساحة الفلسطينية، ميخائيل، أن الحدث المركزي السنة الماضية كان عملية «عمود السحاب» التي «أدخلت إسرائيل إلى فترة استراتيجية مختلفة تماماً»، إذ جعلت «العدو الأساسي، حماس، يتصرف بشكل مختلف». لكن ميخائيل استدرك، مشيراً إلى أن قوة حماس «آخذة في الازدياد، وشهدت الآونة الأخيرة زيادة في تصنيعها للصواريخ المتوسطة المدى من طراز M75. كذلك فإن الجهاد الإسلامي تقوم بتصنيع مشابه». وفي ضوء ذلك، فإن المواجهة المقبلة مع غزة «ستكون غير مسبوقة ودراماتيكية».
وفي ما يتعلق بالضفة الغربية المحتلة، رأى الضابط الإسرائيلي أن «قيادات السلطة غير معنية بالعودة إلى العنف». لكن بالرغم من ذلك، أبدى تخوفاً من انفجار «لا يمكن التنبؤ بمكانه وزمانه» بعد تعثر المفاوضات مع السلطة.
ورأت الضابطة المسؤولة عن الساحة الجنوبية، رويتل، أن الحدث الأهم السنة الماضية هو سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، والمسار السياسي الجديد، وفق خارطة طرق بقيادة السيسي: انتخابات، ديمقراطية. والأهم من ذلك بالنسبة إلى إسرائيل هو التقدير أن «هناك اتجاهاً لتوحيد جماعات الجهاد العالمي تحت راية «القاعدة في المنطقة الجنوبية»». أما في ما يتعلق بالأردن، فرأت أن ما يعرض الاستقرار للخطر فيه هو «ما يحدث في الساحة الشمالية: الحرب الأهلية في سوريا التي تنزلق إلى لبنان وتدفق مئات الآلاف إلى الأردن، والعنف السائد في العراق. وفي هذا المجال نحن نشير إلى تطور «الهلال الجهادي» الذي يلف الأردن ويمكن أن يتغلغل في داخله».