إن المستجدات العسكرية على الأرض السورية قد أرخت بظلالها على الوضع السياسي الإقليمي والدولي، وخصوصاً بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري في منطقة القلمون. وذلك نظراً لأهمية هذه المنطقة عسكرياً، كونها كانت تعدّ خط إمداد أساسي بالعتاد والعديد للمجموعات العسكرية التكفيرية التي تتمركز في الغوطتين الشرقية والغربية في سوريا، وتستفيد في الوقت نفسه منها كممر للسيارات المفخخة التي كانت تجهز في يبرود وغيرها من قرى القلمون.
هذه الانتصارات انعكست على أداء المجموعات العسكرية المعارضة والتكفيرية والجهات الداعمة لها، لناحية الهزائم التي منيت بها، وزادت من عزيمة الجيش السوري ومن صلابة النظام بقيادة بشار الأسد الذي رأى أنّ نهاية هذه المجموعات المسلحة والمدعومة من أميركا وأوروبا وأتباعهما من الدول العربية قد اقتربت. وهذا ما دفع بالرئيس الأسد إلى نقل رسالة بالغة الأهمية للأصدقاء قبل الأعداء بأن الوضع الشاذ لتلك العصابات المسلحة والتكفيرية، سوف ينتهي مع نهاية هذا العام (نقلت وكالة «ايتار تاس» الروسية يوم 7 ابريل/ نيسان عن رئيس الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية سيرغي ستيباشين قوله خلال مؤتمر صحافي عقده ـ عقب عودته من زيارته دمشق، التي التقى خلالها الرئيس السوري ـ أن الرئيس السوري بشار الاسد أكد له أن المرحلة النشطة من العمليات القتالية في سوريا ستنتهي خلال عام، وطلب منه عدم مقارنته بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش).
فرص تعديل موازين
القوى أمر قد يصعب تحقيقه في هذه المرحلة
إنّ الموقف الذي أطلقه الرئيس السوري، المنطلق من المعطيات الميدانية والشعبية إضافة إلى المعطيات الإقليمية والدولية المساندة له في محاربته للإرهاب، قد قرأه الأميركي بشكل جيد. وهو على علم مسبق بما آلت إليه الأمور في سوريا لمصلحة النظام سواء لناحية حفاظه على المؤسسات بشكل عام، والعسكرية والأمنية منها بشكل خاص، إضافة إلى استعادته لكثير من المناطق التي احتلتها المعارضة مع بداية التحراك العسكري لها في الأرياف السورية. الأمر الذي أبعد شبح التقسيم في حده الأدنى والقضاء على النظام في حده الأقصى.
هذه القراءة أوصلت الأميركي إلى خلاصة مفادها أنّ الأهداف التي رسمها لسوريا الجديدة لم تتحقق. وهذا فشل ذريع اعترفت واشنطن به («الأناضول»: تناولت صحف أميركية، مزاعم تفيد بأن وزير الخارجية جون كيري، أقر في اجتماع له بأعضاء الكونغرس، بعدم جدوى سياسة الرئيس باراك أوباما، وفشلها بشأن الأزمة السورية)، وجعله يفكر بطريقة أخرى لإدارة الملف السوري لعله يحقق بعض الإنجازات التي تساهم في تغيير المعطيات الميدانية على أرض الواقع، تساعده في فرض بعض الشروط لتعزيز وضعه ولتمكين المعارضة من الحصول على بعض المكتسبات من خلال اللقاءات التفاوضية التي يعدّ لها في «جنيف 3»، والتي لم يحن وقت انعقادها نظراً إلى أن الظروف غير مناسبة. (تحدث الصحافي ديفيد أغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست» عن اجتماع سري جمع مسؤولين أميركيين ومسؤولي اجهزة الاستخبارات في الدول العربية المؤيدة للمعارضة في واشنطن لمناقشة سبل معالجة الازمة السورية، في ظل الانباء عن إعادة الإدارة الأميركية النظر في سياستها حيال الحرب السورية وتجدد دعمها العسكري للمعارضة السورية المعتدلة عقب فشل مؤتمر «جنيف 2»).
وتجلت إدارة الملف السوري بجملة من الاجراءات اتخذتها واشنطن، نذكر منها:
ــ الإشراف المباشر على الملف العسكري مع مجموعة من الدول المحيطة كالسعودية والأردن وقطر وتركيا.
ــ وضع مجموعة من الضوابط تحكم العلاقة مع المجموعات العسكرية.
ــ التركيز على الجيش السوري الحر، تدريبه وتأهيله بدورات عسكرية تقام في الأردن.
ــ استبعاد المجموعات التكفيرية.
ــ تلقي المعارضة السورية المسلحة في إدلب دفعة من صواريخ أميركية جديدة مضادة للدروع من نوع «تاو»، حسبما سرّبت وكالة «فرانس برس» أول من أمس. ــ فتح معارك عسكرية في المناطق الحدودية ودعمها بكل ما يلزم من السلاح والمال والرجال، وبدعم مباشر من الدول الحدودية المحاذية (هذا ما حدث في اللاذقية في منطقة كسب، ومجيء أعداد كبيرة من الشيشان والأجانب بدعم تركي). هذه المعارك تأتي في سياق خطة عسكرية متكاملة بهدف إحداث تغييرات ميدانية يستفاد منها في المفاوضات السياسية.
وبناء على المعطيات التي جرى سردها، وبما أنّ فرص تعديل موازين القوى أمر قد يصعب تحقيقه في هذه المرحلة، فإنّنا نرى أن الجهد الأميركي فيها سوف يتركز على إبقاء الوضع العام في سوريا في حالة استنزاف لإنهاك النظام من خلال الأعمال العسكرية والتفجيرات الأمنية في مختلف المحافظات، والسعي للحفاظ على ما تبقى من مناطق تحت سيطرة المعارضة كالرقة ودير الزور. وسوف يستفيد منه من اجل القضاء على التكفيريين لانهم اصبحوا يشكلون حيثية خطيرة على المجتمع الأميركي والأوروبي وعلى دول العالم العربي والإسلامي، لأن أعدادهم اصبحت كبيرة وخبراتهم القتالية ذات قيمة.
ونقدّر أن الأميركي سيحاول الاستفادة من هذه المرحلة لاحداث تغيير في المعطيات لتحقيق تقدم ما يعتد به.
في الخلاصة نرى أنّ الأزمة السورية مستمرة ولا حلول لها في المدى القريب، وذلك من خلال تقديرنا لتطورات الأزمة والعقبات التي نراها مانعاً من إحراز تطور نوعي معاكس لما آلت إليه الأمور لمصلحة النظام.
* كاتب لبناني