قرر المجلس الوطني التأسيسي أمس عرض مشروع قانون إنشاء دوائر متخصصة للنظر في قضايا شهداء الثورة وجرحاها على الجلسة العامة. ويتوقع النظر في هذا المشروع يوم السبت المقبل، وذلك على خلفية أحكام القضاء العسكري على المتهمين في قتل متظاهرين من بين ضباط الأمن في النظام السابق.
وأشارت يمينة الزغلامي، رئيسة لجنة الشهداء والجرحى في المجلس الوطني التأسيسي، في حوار مع إذاعة «موازييك» الخاصة، أن الدوائر المتخصصة التي سيجري إحداثها ليست إعادة إنتاج لمحاكمات أخرى مثلما كانت عليه الحال في العهد السابق عندما جرى إحداث محاكم خاصة لتصفية المعارضين.
وتزامنت هذه الخطوة مع استقبال الرئيس المؤقت محمد منصف المرزوقي لوزير الدفاع غازي الجريبي، الذي قال بيان رسمي عن رئاسة الجمهورية انه عبر خلاله للوزير عن صدمته من هذه الأحكام كما انخرطت في موجة الإدانة احزاب الترويكا الثلاثة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من اجل العمل والحريات وبعض الاحزاب الأخرى من الجبهة الشعبية، وكذلك الاتحاد العام التونسي للشغل. كذلك حاول بعض الناشطين في المدن التي انطلقت منها الانتفاضة التي أطاحت بن علي، مثل القصرين وسيدي بوزيد، تنظيم تظاهرات لكنها لم تكن على قدر كبير من الأهمية، وذلك لأن اغلب الشعب التونسي يعتقد ان هذه القضية أصبحت مجالاً للمزايدة السياسية والحملة الانتخابية المبكرة.
تدخل الرئيس المؤقت في القضاء العسكري خرق للدستور

موقف الشارع التونسي من الاحتجاج على هذه الاحكام يعود إلى سبب أساسي، هو خيانة احزاب الترويكا دماء الشهداء عندما عطلت العدالة الانتقالية لمدة عامين، وهو ما أدى إلى وصول هذا الملف الى ما وصل اليه. لكن تداعيات هذه القضية لا تتوقف عند هذا الحد، اذ ان تدخل المرزوقي في القضاء العسكري واحتجاجه العلني على هذه الاحكام هو خرق للدستور كما هي الحال للمجلس الوطني التاسيسي الذي أقر في الدستور انه لا يمكن احداث محاكم استثنائية. ولهذا السبب، عبر عدد من الناشطين ومن الاحزاب عن صدمتهم من خرق الدستور والتشكيك في المؤسسات ومن بينها القضاء العسكري بعد ثلاثة أشهر فقط من ختم الدستور الذي تباهت احزاب الترويكا بإنجازه. وقد أكد العميد المتقاعد من الجيش والناطق الرسمي السابق باسم الموءسسة العسكرية لـ«الأخبار» أن «رد فعل الحقوقيين والمجلس الوطني التأسيسي يمثل صدمة حقيقية، إذ إن هذه الجهات هي اول من يفترض ان يحترم الدستور».
من جهة اخرى، رأى محامو المتهمين الذين خُفِّفت الاحكام الصادرة في حقهم عن استيائهم من رد فعل السياسيين والحقوقيين، واعتبروا انه «كان يفترض ان تصدر احكام بعدم سماع الدعوى لأن كل الوثائق تؤكد براءة» موكليهم. وأكد مقربون من عائلة الجنرال علي السرياطي، المدير العام للأمن الرئاسي في عهد بن علي، انه سيدخل في إضراب جوع احتجاجاً على ما اعتبره قراراً ظالماً بسجنه لمدة ثلاث سنوات في الوقت الذي تم فيه سجنه منذ يوم ١٤ كانون٢٠١١، نافياً عن نفسه الضلوع في اي تدخل في التظاهرات التي عمت البلاد بين ١٧ كانون الأول ٢٠١٠ و١٤ كانون الثاني ٢٠١١ باعتباره مرابطاً في القصر الرئاسي.
اما وزير العدل حافظ بن صالح، فقد عبر عن الاستياء من ردود الفعل على هذه الاحكام لأنها لم تحترم استقلالية القضاء، فيما حذر بيان للنيابة العسكرية من خطورة التشكيك في القضاء العسكري والمؤسسة العسكرية التي تولت حماية البلاد من دون ان تتدخل في الشأن السياسي في اصعب الفترات التي عاشتها البلاد .
الجدل الذي أثارته الاحكام الصادرة في قضايا الشهداء والجرحى يكشف مرة اخرى عن حدة الجدل الذي يشق الشارع التونسي بعد ثلاث سنوات من سقوط بن علي، بين الذين يعتبرون ان البلاد تعرضت لمؤامرة جُلب خلالها قتلة محترفون من الخارج بتمويل قطري لقنص المتظاهرين لتعكير المناخ السياسي والاجتماعي من اجل إسقاط النظام وإمرار مشروع «الربيع العربي» الى ليبيا ومصر واليمن وسوريا وتحميل أركان النظام السابق فاتورة القتل، وبين الذين يعتبرون أن النظام السابق هو المسؤول عن قتل المتظاهرين السلميين الذين بلغ عددهم الستين قبل رحيل بن علي وتجاوز ٣٠٠ بعد مغادرته.