إنها الحركة الأولى من السمفونية رقم 25 لموزار. عندما نقول رقم 25 في تعداد سمفونيات، نكون أمام رقم خيالي بالنسبة إلى ريبرتوار المؤلفين الكلاسيكيين تاريخياً (يوجد استثناءات، أبرزها هايدن الذي نكون قد وصلنا إلى أقل من ربع سمفونياته عند الرقم 25!). أمّا عند موزار فهذا الرقم عادي جداً. لا بل تلاه أهم ما كتب في هذا الفئة، وصولاً إلى الرقم 41، مروراً بتوأم الـ25، أي الـ40 التي تتمتع بالشهرة المطلقة في ريبرتوار الرجل (تكاد تكون أشهر منه شخصياً!). أضف أنّه لم يكتب أي سمفونية في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته، القصيرة أصلاً (35 سنة وعشرة أشهر).
كتب موزار هذه السمفونية عام 1773. أي قبل بلوغه سن الرشد المتعارف عليه بين البشر. وهنا السؤال: هل ينطبق منطق تطور البشر (على كل الأصعدة باستثناء الجسدي) على واحدٍ منهم هو موزار؟ حسناً... لنتعبر أننا لم نسأل. انسوا الأمر. لنكمل حياتنا بشكل طبيعي، ودعونا من ظواهر غير طبيعية أكبر منّا. هذه السمفونية اشتهرت تحديداً بفضل حركتها الأولى التي تتجلى فيها أعلى لحظات الخلق الموسيقية، عند رجلٍ مستوى هذه الحظات عالٍ أساساً وغزير دوماً. ثمة ملاحظة موسيقية أخيرة تخصّ هذه السمفونية وسمفونيات موزار: وضع موزار جميع أعماله من هذه الفئة على سلّم النغمات العالي (Major)، اثنتين فقط وضعهما على السلم المنخفض (Minor)، وتحديداً على الدرجة ذاتها، أي الصول (G). الأولى هي الـ25 والثانية هي الـ40. لتسهيل الأمر على غير الملمّين أكاديمياً بالموسيقى، نقول مع بعض التحفّظ أنهما، بلغة الموسيقى الشرقية، على ذات المقام. من هنا أشرنا آنفاً إلى مسألة التوأمة بينهما.
في فيلمه الجميل "أماديوس" (1984)، عن موزار، أدخل السينمائي ميلوش فورمان هذا العمل في مكانٍ حساس جداً، وله دلالات قاسية. ففي اللحظة التي يُفتَح فيها الباب على سالييري (المؤلف الإيطالي الذي سبب له إبداع موزار عقدة مَرَضيّة جدّية)، تنطلق الحركة الأولى من هذه السمفونية ونرى الرجل ممدداً على أرض غرفته، في يده موس، والدماء تسيل من عنقه. نعم، هكذا عمَل قد يدفع من لديه عقمٌ إبداعي إلى الانتحار، لكن في حالة واحدة: الغيرة. هي الخطيئة المميتة التي أتى إله الموسيقى ليعاقب عليها، بالموسيقى.
إلى اللقاء في الغد مع حلقة من العيار الذي يليق بموت رجلٍ يتبعه مليارات البشر بعد ألفيّتيْن من غيابه. هل لديكم غير باخ لرفع هذا التحدّي؟