المخاطر التي تهدد مشروع سلسلة الرواتب حرّكت حالة الركود في أوساط المعلمين والموظفين. شعر هؤلاء بأنّهم خدعوا من كل الكتل النيابية «التي توافقت علينا». يصبون غضبهم في الاتجاهين. فمن جهة يسخطون على من جاهر بتطيير السلسلة بتحويلها إلى اللجنة ــ المقبرة، على حد تعبيرهم، ومن جهة ثانية يسألون القوى التي قالت لهم إنّها معهم على ماذا وافقت وهل رضيت بما طرحته اللجان النيابية المشتركة من خيارات التقسيط والتجزئة وإلغاء المفعول الرجعي وما يرافق المشروع من نيات لإعادة تمرير مشاريع القوانين المطروحة في مؤتمر باريس ــ 3، لا سيما بالنسبة إلى وقف التوظيف وتنظيم التعاقد الوظيفي والانقلاب على الدولة.
لكن كيف سيترجم أصحاب السلسلة الاستياء العارم الذي أصابهم أخيراً؟ وكيف سيتعاطون مع ما سمّوه الهجمة على الحقوق والمكتسبات؟ وما هي استعدادات القوى النقابية والقواعد على الأرض لتحرك 29 نيسان؟ وما هي الخطة الجديدة لمواجهة كسر رأس هيئة التنسيق النقابية؟
«تطحش» بعض القوى الحزبية داخل الهيئة النقابية، لا سيما حركة أمل وتيار المستقبل، باتجاه تعبئة جماهيرها، مبدية حماسة للانخراط في الإضراب والتظاهر إلى حد القول إنّ «الحشد الذي سيشهده التحرك سيكون قريباً من 10 أيار 2006 حين تظاهرت هيئة التنسيق لإسقاط مشاريع التعاقد الوظيفي». يشير عضو رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي نزيه جباوي (حركة أمل) إلى أنّنا «نلتزم كممثلين للأحزاب بقرارات نقاباتنا، وستكون المشاركة كثيفة في يوم التحرك، خصوصاً أنّ قوانا السياسية كانت داعمة للمطالب الشعبية». لكن هناك من يقول إن الكتل التي رفضت التأجيل كانت ستسير في المشروع المشوّه؟ يجيب: «لا ليس صحيحاً، لأننا أخذنا وعداً بأنّه ستتم مناقشة المشروع بنداً بنداً وستتم مراعاة مذكرة هيئة التنسيق النقابية التي سلمناهم إياها صبيحة جلسة الهيئة العامة. وبالنسبة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، فإنّ مفوض التربية في الحزب ومدير ثانوية عين دارة الرسمية سمير نجم يتحدث عن مساحة واسعة ديموقراطية يتركها لنا الحزب للعمل النقابي، «وبالنسبة إلينا كهيئة تنسيق، وبغض النظر عن الإخراج السياسي، نؤكد أن لنا حقوقاً وسنأخذها كاملة، والتمويل ليس من مسؤوليتنا».
منسقية النقابات والروابط في تيار المستقبل أخذت قراراً بالمشاركة الكثيفة في التحرك. هذا ما قاله الأمين العام لنقابة المعلمين في المدارس الخاصة وليد جرادي. الأخير أكد أننا «نلمس استنفاراً في أوساط المعلمين في المدارس الخاصة، خصوصاً أن المادة 18 من قانون السلسلة لا تزال ملتبسة لجهة المحافظة على وحدة التشريع بين التعليم الرسمي والخاص، وهذا سينعكس مشاركة في 29 نيسان».
وقال الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي يوسف زلغوط (حزب الله) إنّ «القوى الحزبية داخل هيئة التنسيق هي خلف قيادة الهيئة وليس أمامها، وهي تسير بالموقف الذي تقرره. حكينا بالعناوين العامة ولم نبلور حتى الآن خطة استراتيجية تدرس الخيارات المطلوبة في التحرك».
في المقابل، يخشى مستقلون ألا تعدو هذه «الطحشة» مجرد رد اعتبار سياسي، مستشعرين خطر إمكان ضرب خطوة التحرك وتشويهها. وتحدث هؤلاء عن ملامح لشق الهيئة تمثلت في محاولة التعاطي مع كل قطاع على حدة وصدمه مع القطاع الآخر، مثل حرمان التعليم الأساسي من الدرجات الست، وعدم إدخال درجات الإداري في صلب الراتب، وفصل التشريع بين التعليم الرسمي والتعليم الخاص، وعدم إعطاء 6 درجات للمتقاعدين. بالمناسبة، ثمة تنسيق بدأ يظهر في أوساط جمعيات المتقاعدين في القطاع العام، إذ تعقد هيئتهم المشتركة مؤتمراً صحافياً عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم في مركز المجلس الوطني لقدامى موظفي الدولة، بالقرب من بيت الطبيب. وسيتم توضيح حقيقة المعاش التقاعدي وأوضاع المتقاعدين.
عملياً، لا يبدو حالياً أن هناك خطة جاهزة لدى هيئة التنسيق تتجاوز جس نبض القوى والقواعد في التحرك المقبل. الهيئة ستعقد اجتماعاً عند الرابعة من بعد ظهر اليوم لمناقشة الآليات، فيما استغلت مكونات الهيئة أيام العطلة حيث تولى رؤساء الفروع ومندوبو الروابط في الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين شرح «مخاطر» المشروع المطروح و«فضح» مواقف القوى السياسية. لم تتوجه الهيئة بصورة مباشرة إلى القوى المجتمعية لإشراكها في معركة تهم كل الناس، وإن طرح البعض إمكان تحويل المفعول الرجعي لتأمين التغطية الصحية للفقراء غير المضمونين.
«تطحش» بعض
القوى الحزبية باتجاه تعبئة جماهيرها
تقول الهيئة إنّها تعمل على أربعة مداميك: ترجمة الحقوق في أرقام السلسلة، إلغاء كل البنود «الإدارية» المرتبطة بمؤتمر باريس ــ3، التمسك بالحقوق المكتسبة للقطاعات الوظيفية وعدم فصل التشريع بين القطاعين التعليميين الرسمي والخاص.
ورغم تأكيد قادة الهيئة على التماسك في ما بين مكوناتها واستقلالية التحرك النقابي، فإنّ ذلك لم يمنع من ظهور تمايز في مواقف البعض، فتمسكت رابطة أساتذة التعليم الثانوي بالموقع الوظيفي لأساتذتها، وتحدثت رابطة التعليم الأساسي عن «طمس دور الرابطة تماشياً مع رغبة بعض مكونات الطبقة السياسية وأغلبية الهيئات الاقتصادية في السعي إلى ضرب التعليم الاساسي الرسمي كونه منطلق التعليم الرسمي في جميع مراحله الثانوية والجامعية». ورأت أنّ موظفين ملحقين باللجان النيابية يستهدفون التعليم الأساسي الرسمي، إذ لا تجد الهيئة مبرراً لعدم إقرار المادة 12 في اللجان النيابية المشتركة ورفعها إلى الهيئة العامة لمناقشتها ولا لطلب تعديل القانون 223 ليصبح تعيين حامل الاجازة التعليمية في الدرجة 9 بدلاً من الدرجة 15. وحذرت الرابطة جميع المعنيين من الأخذ بنصائح هؤلاء الموظفين من قبل النواب ما سيدفع بالمعلمين إلى اتخاذ خطوات تصعيدية كبيرة. الرابطة تراهن على وعي قواعدها بحقوقهم عبر الانخراط بقوة في التحرك من تلقاء أنفسهم حتى لو لم تتمكن من تأمين الحافلات لهم.
أما رابطة موظفي الإدارة العامة فقد أجرت اتصالات بممثلي الكتل السياسية في اللجنة النيابية الوزارية لمحاولة فهم طبيعة التسوية التي ستحصل. وتحدث نائب رئيس الرابطة وليد الشعار عن شعور بالغبن لدى قواعد الإداريين سيترجم حضوراً حقيقياً في الشارع ومحاولة تجاوز الترهل وضعف الثقة بهيئة التنسيق الذي أصابهم في الفترة الأخيرة.




الاتحاد العمالي يتظاهر

في خطوة أثارت الكثير من التكهنات، أوصت هيئة مكتب المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام بتنفيذ إضراب عام تحذيري والتظاهر يوم الأربعاء في 30 نيسان الجاري، أي في اليوم نفسه لانعقاد جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية. ودعت هيئة المكتب أمس المجلس التنفيذي إلى الانعقاد قبل يومين فقط من هذا الموعد، أي ظهر يوم الاثنين في 28 نيسان الجاري، لبتّ هذه التوصية، احتجاجاً على السياسات الضريبية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصاً الضريبة على القيمة المضافة. الجدير بالانتباه أن الاتحاد العمّالي تجاهل التظاهرة التي تنوي هيئة التنسيق النقابية تنظيمها في 29 نيسان الجاري.