الحلقة ٥٤
عام 1778 سافر موزار مع والدته إلى باريس، بعدما فقد الأمل في إيجاد وظيفة تؤمن له حياة كريمة. فمحاولاته الفاشلة في الحصول على مصدر رزقٍ ثابت في بلده دفعته إلى الانتقال إلى فرنسا. في ظلّ هذا الوضع المادي المذري حلت الكارثة على موزار. مرضت أمّه في باريس وتوفّيَت في الثالث من تموز/يوليو 1778، بعيداً عن الوطن والبيت العائلي في النمسا.
يقال إنّ التأخّر في تقديم العلاج لها، بسبب عدم قدرة موزار على دفع تكاليف طبيب في باريس، قد يكون لعب دوراً أساسياً في موتها. ولمّا كانت مسألة نقلها إلى النمسا غير مطروحة بسبب التكاليف العالية، دفن موزار أمّه في العاصمة الفرنسية ولم يبقَ لديه سوى خطوتَين: إبلاغ والده وأخته طبعاً... ثم تفريغ الحزن (على فراق والدته) والغضب (على القدَر) والإستسلام (إلى حتمية ونهائية الموت) في عملَين موسيقيَّين، الأول هو سوناتة لكمان والبيانو من حركتَين، نسمع الأولى منهما في هذه الحلقة، والثاني هو سوناتة للبيانو المنفرد.
أخيراً، كل نوتة في المقطوعة التي نقترحها اليوم تمثّل – بشكلٍ يفوق الوصف في الدقّة والصدق – وضع موزار النفسي بكل تقلباته إثر رحيل أمّه. بعبارة أخرى، الاستماع إلى هذا العمل هو بمثابة أعجوبة مزدوِجة؛ فهو يعني الرجوع بالزمن نحو قرنَين ونصف القرن والدخول إلى دماغ موزار لمشاهدة الانفجار الكبير الذي حصل في داخله نتيجة اصطدام رهيب بين الموسيقى والموت.