لم يعد الانتظار خياراً متاحاً بالنسبة إلى البيئيين، بعدما أثير ملف سد جنّة منذ أسابيع قليلة. منذ ذلك الحين بدأوا بالحراك، عبر التواصل مع المسؤولين في الوزارات من جهة، ومع الخبراء والاختصاصيين في مجالات البيئة والجيولوجيا والتاريخ من جهة أخرى، «لعدم الحكم على المسألة بطريقة متسرعة أو عشوائية»، وفق ما يؤكد رئيس الحركة البيئية اللبنانية بول أبي راشد.
قرر هؤلاء أن يكونوا «سداً منيعاً» بوجه هذا المشروع، فتجمع العشرات منهم يوم السبت الماضي، متجهين إلى «جنّة» وادي نهر أدونيس في لقاء تضامني، رافعين الصوت ومطالبين بوقف فوري للأعمال عليه، وخصوصاً أن وزير البيئة محمد المشنوق طالب وزير الطاقة والمياه آرتور ناظريان بذلك، منذ حوالى الأسبوعين، دون أن يلقى هذا الطلب أي تجاوب. وفي اللقاء، دعا أبي راشد وزارة الطاقة إلى «التواضع»، مطالباً بحوار مفتوح وبعرض الدراسات «لأن أياً من تلك التي اطلع عليها لا تتحدث عن جدوى هذا المشروع». وأشار إلى أن «الناشطين البيئيين يرفضون خسارة هذا الموقع الطبيعي»، نافياً أن يكون لهذا التحرك أي خلفية سياسية «لأن هذا السد خُطط له منذ زمن طويل، وإن كان تنفيذه يجري اليوم في عهد هذه الحكومة».
تخوف البيئيون من أن يتكرر ما جرى في منطقة برصا في الضنية، حيث إنه بعد عشر سنوات على العمل في إنشاء سدّ هناك، تبيّن اليوم أنه لا يمكنه أن يحفظ المياه، لذلك يرفض اتحاد بلديات الضنية تسلّمه لأنه غير قابل للتشغيل، متسائلين: «ما متت، ما شفت مين مات؟». فالعلماء الجيولوجيون يجمعون على اعتبار السدّ في جنّة «غير قابل للحياة»، وفق ما أكد الجيولوجي ويلس رزق لـ«الأخبار»، مشددا على أن «إقامة هذا المشروع ستسبب بخسارة أموال باهظة، وستلحق أضراراً كبيرة دون جدوى فعلية، ومن بينها التسبب بجفاف الينابيع، مع ما لذلك من انعكاسات على مياهنا الجوفية».
ذكّر اللقاء التضامني أمام جسر جنّة بأهمية وادي نهر ابراهيم التاريخية. وفي هذا الإطار، وصفته الباحثة ميرنا الهبر بأنه «وادٍ فريد، ليس في لبنان فقط، بل في المنطقة أيضاً»، مشيرة إلى أن سد جنة سيكون هداماً للنظام الطبيعي والتراثي والإنساني والحضاري الذي أوجده هذا الوادي.
إلا أن «أدونيس لن يقوم من جديد»، بحسب أحد الجيولوجيين، الذي يشبّه الوادي بالجرّة المفسوخة، التي لن يؤدي ثقل الهواء فيها إلى تحطيمها، لكن إن وضع فيها النبيذ، فستتحطم بالتأكيد بسبب الضغط الذي يمارس عليها. وإذا أقيم سدّ على فيلق ناشط، وهو حال مشروع سدّ جنّة، فإن المياه المتراكمة قد تضغط عليه وتفتح الفيلق وستؤدي إلى خسارة النهر إلى الأبد.
وأفادت المعلومات بوجود حلول بديلة بالفعل، وقد جرى التداول بإمكانية إقامة سد في الدامور لإيصال المياه إلى بيروت بكلفة أقل وبفعالية أكبر، إلا أن أحداً لا يتحدث عنها بجدية بعد. وقد لفتت مصادر مطلعة إلى احتمال وجود صفقة عقارية في محيط السدّ تمهيداً لاستثمارات سياحية.
وتتجه الأنظار من جديد نحو وزارة البيئة، حيث إن أياماً قليلة باقية لمعرفة موقفها الرسمي من دراسة تقويم الأثر البيئي التي أرسلتها إليها وزارة الطاقة. موقفٌ يعوّل عليه الناشطون البيئيون لكون الوزير المشنوق «ابن المجتمع البيئي».