في خطوة غير مسبوقة في مسار التفاوض حول ملف إيران النووي، تنعقد في جنيف، اليوم، محادثات ثنائية رسمية بين إيران والولايات المتحدة، بطلب أميركي، بحضور مساعدة الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، هلغا اشميت، تمهيداً لاستئناف المفاوضات بين إيران ومجموعة دول (5+1) من 16 حتى 20 حزيران.
وتفيد المعلومات الواردة من طهران بأن هذا الاجتماع قد جاء بطلب أميركي، لبحث الملف الصاروخي الإيراني الذي فجّر جولة المفاوضات النووية الأخيرة التي انعقدت في جنيف في منتصف أيار الماضي. وتضيف المعلومات نفسها أن «المعنيين في إيران بحثوا خلال اليومين الماضيين في الطلب الأميركي وراجعوا القيادة العليا التي أذنت لهم بالذهاب إلى جنيف لاستطلاع ما لدى الأميركيين من جديد في هذا الشأن».
وكانت مجموعة «5+1» قد طلبت، خلال المناقشات في الجولة الماضية، بحث الترسانة الصاروخية الإيرانية، وهو ما رفضه الإيرانيون لنوعين من الأسباب: الأول، أن المفاوضات الحالية مع «5+1» محصورة بالنووي فقط، وبالتالي لا مجال ولا تفويض ببحث أي ملف آخر. أما الثاني فبحجة أن المنظومة الصاروخية الإيرانية هي منظومة ردعية لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل، وأن أي بحث في هذا الملف يقتضي أولاً نزع السلاح النووي الإسرائيلي لإزالة ما يشكله من تهديد لإيران والمنطقة. وبعد المحادثات الأميركية الإيرانية في جنيف يومي الاثنين والثلاثاء، تقرر أن تجري محادثات ثنائية رسمية بين إيران وروسيا، الأربعاء والخميس، على هامش مؤتمر نزع الأسلحة الذي سينعقد في روما، بين الوفد الإيراني ومساعد وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف. ويفترض خلال هذه الاجتماعات أن تجري مناقشة ما جرى تداوله يومي الاثنين والثلاثاء بين المفاوضين الإيرانيين والأميركيين «ليبنى على الشيء مقتضاه»، على ما تفيد مصادر إيرانية معنية.

محادثات إيرانية روسية
الثلاثاء والأربعاء تبحث نتائج اللقاءات الأميركية الإيرانية

أسباب كثيرة أملت هذه الحركة الفجائية وغير المعهودة، من بينها اقتراب نهاية مهلة الأشهر الستة التي حددها الطرفان للانتهاء من التفاوض في 21 تموز المقبل، وحاجة الإدارة الأميركية إلى إنجاز خارجي يساعدها في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الأول الماضي، وحاجة إدارة الرئيس حسن روحاني إلى تقدم نوعي يساعدها في وضع حدّ لموجة الامتعاض والانتقادات التي تطالها بسبب خوضها مفاوضات لم تسمن حتى الآن ولم تغن من جوع، فضلاً طبعاً عن تطورات الملفين السوري والأوكراني التي تجري، كما يبدو، بغير مصلحة واشنطن.
وتنتاب تياراً واسعاً في إيران آمال بأن يؤدي الحراك التفاوضي إلى توقيع اتفاق، يعتقد كثر أنه بات قاب قوسين أو أدنى. بل تتحدث تسريبات عن أن عناصر الاتفاق المذكور قد تم التفاهم على معظمها، وأنه لم يتبق سوى بعض النقاط العالقة التي استدعت خطوة من نوع اللقاءات الثنائية لتسريع العمل على حسمها، تمهيداً لخروج الدخان الأبيض في جولة التفاوض النووية الرسمية المقبلة. ويستشهد بعض هذا التيار بكلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن إيران وحزب الله كمؤشر على هذا التقدم، وهو يرى في تصريحات المرشد علي خامنئي عن أنه «غير متفائل» بوصول تلك المحادثات الى نهاية سعيدة، دعماً للمفاوض الإيراني. في المقابل، لا يزال التيار «غير المتفائل» بأي تفاهم مع أميركا على موقفه من أن تلك المحادثات ليست سوى إضاعة للوقت يحتاج إليها الطرفان من أجل تبريد الأجواء المشحونة في المنطقة، ولتعزيز معادلات داخلية في كل من إيران والولايات المتحدة. ويعتقد هذا التيار، إضافة إلى عدم ثقته بالطرف الأميركي وقراءته أن تصريحات المرشد دليل على عدم رضا لم يصل حد الممانعة، أن شيطان التفاصيل كفيل بتعرية الأهداف الأميركية وتفجير المحادثات.
وكانت إدارة روحاني، التي تستهدف بالدرجة الأولى رفع العقوبات الدولية والأميركية والأوروبية المفروضة على إيران، قد واجهت مشاكل من نوع محاولة الطرف الغربي طرح ملفات أربعة على الطاولة، ورهن رفع العقوبات بالتوصل إلى حل حولها هي النووي والمنظومة الصاروخية والإرهاب وحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من انعقاد محادثات ثنائية سابقاً بين إيران والاتحاد الأوروبي ممثلين بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيرته الأوروبية كاثرين آشتون، لم تشهد المفاوضات التي بدأت في تشرين الأول الماضي لقاءً رسمياً بين إيران وأميركا.
وأعلن رئيس الوفد الإيراني المفاوض، مساعد وزير الخارجية، عباس عراقجي، أن المحادثات الثنائية التي ستنعقد اليوم وغداً «ضرورية»، مشيراً إلى أن الوفد المفاوض أجرى سابقاً مباحثات ثنائية غير رسمية مع الولايات المتحدة، على هامش المفاوضات مع مجموعة الدول الست. غير أن المشاورات هذه المرة تأتي على خلفية دخول المفاوضات «مرحلة جدّية». وأضاف عراقجي أن ما سيتم بحثه اليوم هو «المسألة النووية» إلى جانب رفع العقوبات عن إيران، في تأكيد عدم إرادة بلاده التطرق إلى القضايا العسكرية التي ترغب واشنطن في بحثها.
وسترأس الوفد الأميركي مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية، ويندي شرمن، بمشاركة زميلها لشؤون الشرق الأوسط وليام بيرنز. وفي هذا الشأن، أمل عراقجي أن يكون حضور بيرنز «إيجابياً»، خصوصاً أنه «شارك سابقاً في مفاوضات واضطلع بدورٍ فعال».
من جهتها، أعلنت واشنطن أن هذه المشاورات تمثل «فرصة جيدة» للتقدم في المفاوضات «المتعثرة».