في البدء كان «الجيش الحر»، ثم توالى قصّ الحكاية التاريخية لتُشبع بضباط وجنود منشقين ومدنيين حملوا السلاح دفاعاً عن التظاهرات السلمية. بعد «السلمي» تقول الرواية إنّ النظام السوري عسكَر الحراك المدني و«خلق» مسلحين ليعطوه الشرعية الأخلاقية ليقابل النار بالنار. مرّ فصل من الحكاية، وبين صفحاته سيارات مفخخة ومجازر بحق مدنيين. في كانون الثاني 2012 طالعتنا «جبهة النصرة» بأول بيان لها. ردّ الراوي الرسمي بأنّها جزء من «لعبة النظام»، والتنظيم جاء «ليركب الثورة» ويعطيها الصبغة الاسلامية المتشددة.
ثمّ بلغة الميدان، ولكي لا يقفل «كتاب الثورة»، أصبحت «النصرة» اللبنة الشامية، وممثلة للعناصر السورية التي لا غنى عنها في قتال النظام.
كرّت سبحة الكتائب الاسلامية، وأصبحت الصبغة لُبّاً. البحث انتقل إلى الفارق بين إسلامي يقبل الآخر وإسلامي تكفيري... لأنّ «داعش» ظهر.
دخل الراوي في محنة المنطق والواقع. فرض «الناشر» في الجزء الجديد أبطالاً من طراز قائد «جيش الاسلام» زهران علوش وقائد «جبهة ثوار سوريا» جمال معروف. نموذجان ودودان يحبّان الاعلام الغربي ويجلسان في ردهات الفنادق التركية والخليجية.
أول من أمس، ختم عدد من «الأبطال» بأنفسهم ما أريد أن يُكتب عنهم وباسمهم. أفاد الخبر باستقالة عدد من «قادة الجبهات والمجالس العسكرية في الجيش السوري الحر».
ترجمة ذلك أنّ «الناشر» نقل أولى صفحات كتابه إلى الهوامش. هناك في أسفل «الكتاب». وفي الهوامش نعلم مثلاً أنّ «رئيس المجلس العسكري في الساحل» العقيد محمد عواد قد استقال، ومعه «قائد جبهة حمص» فاتح حسون. هل من رأى عواد إلى جانب الداعية السعودي عبدالله محيسني على قمة «المرصد 45» مثلاً؟ وهل من يتخيّل نشاطاً لحسون خارج مواقع التواصل الاجتماعي وبعيداً عن «المفاخرة» أمام أولاده (بعد منعهم من مشاهدة التلفاز طبعاً)؟
وصل الراوي إلى خاتمة الحكاية: في البدء كانت غرف العمليات ثمّ خُلق «الجيش الحر»... وفي «السنة الثالثة» نقر «الناشر» على زر... «امسَح».