في ظلّ استمرار ضغط واشنطن باتجاه عملية تغيير سياسية في العراق، صعّدت طهران من نبرتها إزاء الموقف الأميركي من الأزمة العراقية، مع إعلان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي معارضة بلاده لتدخل الولايات المتحدة في شؤون العراق الداخلية، متهماً في الوقت نفسه دول الغرب وعلى رأسها أميركا بالوقوف خلف إثارة النزاع في بلاد الرافدين.
في المقابل، تواصل واشنطن سعيها إلى تغيير سياسي في العراق، مع تأكيد الرئيس باراك أوباما أن «قوة النار لا تستطيع الحفاظ على وحدة العراق»، واشترط قيام نظام سياسي «شامل لكل الأطراف» لطرد المقاتلين من بلاد الرافدين.
وفي ظل الحديث عن فتنة سنية شيعية في المنطقة وفي العراق على وجه الخصوص، أعاد خامنئي جوهر الصراع إلى الواجهة مجدداً، نافياً أن تكون الحرب في العراق مذهبية بل حرب بين مشروعين: مشروع إلحاق العراق بالمعسكر الأميركي أو مشروع استقلاله.
وأكد خامنئي أن إيران «تعارض بشدة أي تدخل أميركي في شؤون العراق الداخلية، وترى أن الشعب والحكومة والمرجعية الدينية في العراق قادرون على إخماد نار الفتنة». وأضاف أن «قوى الهيمنة الغربية، وخصوصاً نظام الولايات المتحدة الأميركية، تسعى لاستغلال عصبيات عدد من العناصر العميلة العديمي الإرادة»، مضيفاً أن الهدف الأساسي من وراء الأحداث الأخيرة في العراق هو حرمان شعبه من المنجزات التي حققها، وأهمها السيادة الشعبية رغم وجود أميركا وتدخلها فيه.
وأشار خامنئي إلى أن واشنطن مستاءة ممّا شهده العراق أخيراً، خصوصاً الانتخابات التي جرت بمشاركة شعبية واسعة، لأنها تريد أن يكون العراق خاضعاً لنفوذها وأن يكون حاكمه «طوع أمرها»، لافتاً إلى أن ما يجري في العراق «ليس حرباً بين الشيعة والسنّة بل هو سعي قوى الهيمنة الى استغلال فلول النظام البائد وعناصر تكفيرية كبيادق لزعزعة الأمن والاستقرار في العراق وتهديد وحدة أراضيه». وأكد خامنئي أن عناصر الفتنة في العراق «تكنّ للسنّة المعتقدين باستقلال العراق الحقد نفسه الذي تكنّه للشيعة».

حذر أوباما من
مخاطر هجوم «داعش» على استقرار المنطقة

من جهته، صعّد الرئيس حسن روحاني من نبرته «المعتدلة»، طالباً من «حماة الإرهابيين» أن يكفوا عن «دعهمهم بدولارات النفط»، ومحذراً إياهم من مغبة الاستمرار في هذا الدعم. وأعلن روحاني أن هؤلاء «سيدركون أنهم سيدفعون الثمن لاحقاً»، داعياً إياهم إلى عدم الاعتقاد بأن «إرسال هؤلاء الوحشيين سيبقى من دون نتائج».
وانسجاماً مع خطاب المرشد الأعلى، نفى روحاني وجود أي صراع بين السنّة والشيعة الذين عاشوا بعضهم مع بعض في العراق والشام وإيران لفترة طويلة، مشدداً على أن إسرائيل تشعل نيران النزاعات بين المسلمين ثم تشعر إلى جانب «القوى الكبرى» بالارتياح، فتصرف بالتالي النظر عن فلسطين بالتزامن مع ضرب المدنيين في غزة بالقنابل والصواريخ.
أميركياً، أعلن الرئيس باراك أوباما أن لا قوة أميركية تستطيع إبقاء العراق موحّداً ما «لم يبتعد قادته السياسيون عن الطائفية ويعملوا من أجل توحيد البلاد». وأكد، في حديث إلى شبكة «سي أن أن» أن «التضحيات الأميركية أعطت العراق فرصة لإقامة نظام ديموقراطي مستقر، يعمل فوق خطوط الطائفية لتأمين مستقبل أفضل لأطفالهم، لكن هذه الفرصة ضاعت»، مشيراً إلى أنه قال لنوري المالكي وللمسؤولين الآخرين في البلاد إنه «ما من قوة نار أميركية تستطيع الحفاظ على وحدة البلاد». وأعاد التأكيد على أن الجهود الجديدة للقادة العراقيين لإقامة نظام سياسي «شامل» لكل الأطراف ستبقي البلاد موحدة وتسمح بطرد مقاتلي «داعش».
كما حذر أوباما من المخاطر التي يمثلها الهجوم الكاسح لـمسلحي «داعش» في العراق على استقرار المنطقة برمتها.
ولكن أوباما الذي استبعد فكرة تدخل قوات أميركية، يخشى من أن تكون قدرة المسلحين أكبر، مؤكداً أن «ايديولوجيتهم المتطرفة تشكل تهديداً على الامدين المتوسط والطويل» بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
وقال الرئيس الأميركي في مقابلة مع شبكة «سي بي اس» بثت أمس«بشكل عام، ينبغي أن نبقى متيقظين. المشكلة الحالية هي أن (مقاتلي) تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام يزعزعون استقرار البلد (العراق)، لكن يمكنهم أيضاً التوسع نحو دول حليفة مثل الاردن».
من جهتها، كشف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، عن إرسال إيران «لعدد قليل من العناصر» إلى العراق لمساعدة الحكومة في مواجهة «داعش»، مشيرةً الى أنه «لا مؤشر على انتشار واسع لوحدات عسكرية إيرانية». وأشار كيربي الى أن «تدخل إيران في العراق ليس أمراً جديداً»، قائلاً «سندع الإيرانيين يتحدثون عن أفعالهم».
ومن المتوقع أن يتوجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري قريباً إلى العراق ضمن جولته على دول المنطقة التي انطلقت أمس من مصر، حيث دعا القادة العراقيين إلى «تجاوز الانقسامات الطائفية»، مؤكداً أن بلاده لا تسعى إلى اختيار زعيم للعراق، وهي «غير مسؤولة عن الأزمة الناجمة عن هجوم داعش»،
(أ ف ب، رويترز، فارس، إرنا)