كأنه المارشال مونتغمري. كاد رافعو «اللافتات» في بيروت وزحلة والدكوانة والبوشرية و... أن ينسبوا إلى اللواء جورج قرعة الانتصار على الفاشية في الحرب العالمية الثانية. «أصدقاء اللواء جورج قرعة»... «أهالي المنطقة»... «شباب الحي»... رجل الاعمال الفلاني... رجل الدين العلاني... مجلس الطائفة، أعضاء «الجمعية السرية» إياها... كلها أسماء ضجّت بها الشوارع خلال الأيام الماضية دفاعاً عن قرعة. وقرعة هذا موظف برتبة المدير العام لامن الدولة.
وامن الدولة جهاز للبطالة الامنية المقنّعة، لا شي في سجلاته إلا ما انتجته الصدف. حتى الهزيمة حُرم إياها لانه لم يحاول. جهاز أمني ينفق عشرات ملايين الدولارات سنوياً، من اموال اللبنانيين، من دون أي مردود يُذكر. عندما كان اللواء إدوار منصور مديره العام، اقترح على الحكومة منح الجهاز كله إجازة لمدة شهر. أراد الرجل القول إن احداً لن ينتبه لغياب «امن الدولة». وبالفعل. لا أحد ينتبه لوجوده، إلا بعض الشخصيات ممن اتخذوا عناصر في الجهاز مرافقين لهم او سائقين لعائلاتهم أو حاملين للمشتريات من السوبر ماركت.
«أهضم» ما في حملة الدفاع عن قرعة هو كونها تردّ على حرب متخيلة. جل ما في الأمر أن «الأخبار» نشرت مقالاً يتيماً (بعنوان «أمن الدولة... دكانة اللواء جورج قرعة») عن الرجل وبعض «إنجازاته» في المديرية، فتعامل قرعة و«أصدقاؤه» مع المقال كما لو أنه «حملة». و«أبهى» ما في الوقوف في وجه مقال «الأخبار» هو التنوع السياسي للمشاركين: القوات اللبنانية، الكتائب، تيار المستقبل، مجلس طائفة، اجتماع مناطقي، مجالس بلدية، نواب ووزراء عونيون حاليون وسابقون، «وسطيون»... كلهم خرجوا دفاعاً عن «كرامة الطائفة» صاحبة الجهاز الامني. حتى مجلس امناء لابورا (المؤسسة التي تعنى بتوظيف المسيحيين) أصدر بياناً لاستنكار الحملة المغرضة على قرعة. وفوق كل هؤلاء، خرج ميشال ضاهر أمام الكاميرات مهدداً بكسر اليد التي تمتد إلى «أمن الدولة». يا ويلاه! ومن هو ميشال ضاهر؟ مواطن مع عشرات ملايين الدولارات، التي تمنحه حق التهديد بالكسر وبالخلع ربما. يجهل البعض من هو ميشال ضاهر، لكن ناظم الخوري معروف. وهو وزير سابق. أصدر بياناً دان فيه «الحملة المغرضة» على قرعة، قائلاً إن مديرية امن الدولة «سجّلت إنجازات في كشف خلايا تجسس لمصلحة العدو الاسرائيلي وفي كشف خلايا ارهابية». الخوري مسؤول، ولا ينبغي له، افتراضاً، رمي كلام غير دقيق. فهلا دلّ صاحب المعالي الناس على خلايا التجسس تلك؟ هلّا سمّى 3 خلايا كشفتها مديرية «امن الدولة» خلال آخر 3 سنوات؟ 4 سنوات؟ 5 سنوات؟
حسناً. حملة التضامن مع قرعة ستتوقف قريباً. فالقيمون عليها كانوا، لفرط عبقريتهم، يرون في ما نشرته «الأخبار» جزءاً من هجوم يشنه رعاة نائب المدير العام لامن الدولة، على المدير العام لامن الدولة. وهذا الهجوم توقف قبل يومين. فيوم الأربعاء الماضي، استضاف النائب ابراهيم كنعان في مكتبه لقاء مصالحة بين المدير العام لامن الدولة اللواء جورج قرعة، ونائبه العميد محمد الطفيلي، بحضور مستشار الرئيس نبيه بري أحمد بعلبكي. الاجتماع مهين لما تبقى من صورة الدولة. فكل من المدير ونائبه احتاج إلى راعيه السياسي ــ الطائفي، ليشاركه جلسة المصالحة مع خصمه (رئيسه او مرؤوسه). كان ينقص الجلسة صب القهوة المرة ونحر الخراف، لكنّ احداً لن يأتي على ذكر «الدية» التي تدفع في المصالحات العشائرية. فالدية هنا تتطلّب السؤال عن النفقات السرية التي تُصرف في المديرية بلا حسيب ولا رقيب. وإكراماً للمضيف والشاهد، لن يسأل نائب المدير عن غرفة التنصت غير الشرعي في المديرية، ولا عن العميل السابق الذي يعمل فيها، ولا عن عدد الحراس الموضوعين في تصرف المدير العام وأفراد عائلته، ولا عن السيارات الأميرية التي يستخدمونها، ولا عن عجز المديرية عن إنتاج عمل امني جدي، ولا عن الاموال العامة المهدورة، ولا عن....
لن يكترث احد لذلك. المهم أن قرعة وطفيلي تصالحا. ما كان يفعله الاول وحيداً، سيشاركه فيه الثاني. سيمارسان التعايش في المديرية من الآن فصاعداً. فلنخفض أصواتنا. معاً، سيحافظان على امن الدولة. هس.