لامست ازمة دار الفتوى، بين مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني والمجلس الشرعي الممددة ولايته (الموالي للمستقبل) الخطوط الحمراء، بعدما كادا ينتخبان مفتيَين للجمهورية. استدعت خطورة الموقف، وجدية احتمال وجود رأسين لدار الفتوى، تدخل الأزهر للتوسط بين المتخاصمين لانهاء الازمة. لذلك قرر وفد علمائي مصري، من الأزهر، الحضور الى لبنان لمنع انتخاب مفتيين للجمهورية، واحد شعبي تنتخبه هيئة ناخبة موسعة تضم ما يقارب 4 الاف عضو، واخر «شرعي» يحظى بغطاء حكومي، ينتخبه 106 اعضاء.
خلال شهر رمضان سيحط الوفد في لبنان، حاملاً مبادرة حلّ «غير واضحة المعالم حتى الان»، كما قالت مصادر في دار الفتوى. سيلقي العلماء الازهريون بثقلهم لحل الازمة بين المتخاصمين، بعد التصعيد الحاصل بين الطرفين، وخصوصاً بعدما حدد المدير العام للاوقاف الاسلامية الشيخ هشام خليفة 31 اب موعداً لانتخاب مفت جديد، وطلب المجلس الشرعي برئاسة عمر مسقاوي من رئيس الحكومة تمام سلام دعوة الهيئة الناخبة الى انتخاب مفت آخر. في لبنان، سيلتقي الوفد الازهري قباني والمجلس الشرعي الداعم له (المنتخب) ثم اعضاء المجلس الموالي لتيار المستقبل، وسيطرح العلماء مبادرتهم على المجلسين، وعلى رئيس الحكومة ورؤساء الحكومات السابقين.
بالطبع لا يمكن الازهر التحرك بدون رضى السلطات المصرية. وقالت مصادر في الدار الفتوى إن زيارة الوفد نالت بالتأكيد «رضى سعودياً، بسبب التقارب الحالي بين مصر والسعودية». اضافت: «لا يمكن الازهر القيام بحركة قد تغضب السعودية، وخصوصاً بعد التقارب الاخير بين البلدين». وبحسب المصادر، فإن «وساطة وكلمة الازهر لهما وقع خاص في دار الفتوى»، لكنّ عقدة الحل ليست في يد من في الدار فقط، فهناك احتمال الّا يلتزم انصار تيار المستقبل «المبادرة التي يحملها العلماء»، كما قالت مصادر الدار. تدخّل الازهر لإصلاح «ذات البين» ليس الاول من نوعه، ففي الفترة الماضية استمزج الازهر آراء المعنيين في الدار بشأن ضرورة «التمديد للمفتي في الوقت الراهن وذلك بسبب انتشار التكفيريين والحاجة إلى وجود رجل معتدل على رأس الدار»، كما يقول مطلعون على الازمة، لكن رفض قباني التمديد لنفسه، وتأكيده ذلك مراراً، وانشغال النظام السوري بأزمته، ووقوف المملكة السعودية في صف تيار المستقبل «دفعت جميعها الازهر إلى التحرك وحده، وخصوصاً ان المفتي أزهري (متخرج من الازهر)» كما قالت المصادر.
وفي انتظار وصول الوفد، تستمر الاستعدادات لانتخاب مفت جديد للجمهورية. فقد أنهت دار الفتوى قرابة 80 بالمئة من لوائح الشطب الخاصة بالهيئة الناخبة الموسعة، ولم يبق غير ممثلي الهيئات النقابية لارسال اسماء مندوبيها لضمها إلى اللوائح، وإذا لم ترسل الاسماء الى الدار، فستجرى الانتخابات كأنّ شيئاً لم يكن. من جهتهم، ينتظر مناصرو تيار المستقبل في المجلس الشرعي الممددة ولايته «انتهاء الرئيس سلام من المشاورات التي يجريها حالياً مع «اهل الحل والعقد»، ليقرر ما إذا كان سيدعو الى انتخاب مفت جديد»، كما قال عضو المجلس الشرعي الممدد لنفسه محمد مراد في اتصال مع «الأخبار». وعن زيارة الوفد الازهري الى لبنان، قال مراد: «سمعت عنها، لكنني لا املك اي معطيات حول الموضوع».
وفي رسالته إلى اللبنانيين امس لمناسبة حلول شهر رمضان، اكد قباني رفضه الفراغ في المؤسسات، مشيراً إلى ان أول الحلول يبدأ في «انتخاب رئيس للجمهورية مهما كانت الظروف والعقبات، لان لبنان بلا رئيس يعني «وطن بلا رأس»، ويجب إنجاز استحقاقات دستورية لا بد منها، بدلا من التمديد المتتالي الذي يغتصب المؤسسات الدينية (في اشارة الى المجلس الشرعي الموالي للمستقبل والممدة ولايته) والمدنية». واكد قباني انه لم يقبل خلال ولايته «التفريط بمؤسسات المسلمين الدينية والوقفية أو صلاحياتها التي نتشاكس اليوم من اجلها، ومن اجل وسطيتها، برغم العوائق المفتعلة في طريقنا، والفخاخ المنصوبة لنا فيه». ودعا قباني «الشرفاء والعلماء بالله وعن الله والصادقين لله، ليتقدموا الصفوف، وليأخذوا دورهم في انتخاب مفت جديد للجمهورية». وغمز من قناة تيار المستقبل والرئيس فؤاد السنيورة تحديدا، إذ وجه نصيحة الى «أولئك الذين اتفقنا أو اختلفنا معهم، للرجوع إلى الله في هذا الشهر الفضيل، والعمل على وحدة المسلمين التي مزقوها او مزقها بعضهم، والحفاظ على دارهم، دار الفتوى، وعلى أبنائها».
والتقى قباني رئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي، الذي تمنى ان تكون هناك «تسوية بين كل الافرقاء ليكون ثمة توافق على انتخاب مفت واحد لا اثنين، ونحن كطائفة وكمسلمين لا نتمنى ان يكون هناك مفتيان ومجلسان شرعيان». واكد مخزومي وجود «مساع مع الأفرقاء للوصول الى حل يتمثل في انتخاب مفت واحد، ولا بد أن نتخطى مسألة من هو المجلس الشرعي، ومن هو غير الشرعي».
وفي كلمة له قال مفتي الشمال الشيخ مالك الشعار إنه مع ان «تكون هناك انتخابات في دار الفتوى وفي المجلس النيابي، وانتخابات لرئاسة الجمهورية، لأن نظامنا يقوم على الديموقراطية، ولا يجوز أن تتعطل الانتخابات على الإطلاق، واستحقاقنا الديني في مؤسسة دار الفتوى ينبغي أن يكلل بانتخاب ودعوة الهيئة العامة من أجل انتخاب مفت جديد يكون على قدر المسؤولية، وعلى مساحة الوطن والجمهورية».
وعن كونه مرشحاً لمنصب مفتي الجمهورية، أجاب: «ذكرت أكثر من مرة أنني لست مرشحا ولست منافسا لأحد، إذا أجمع أهل بلدي وأهل ملتي عليّ فلن أتأخر عن القيام بالواجب، أما هذا الموضوع، فأنا لست مرشحا فيه على الإطلاق».