لبناني نصّاب لا يجعل من كل الشعب اللبناني نصّاباً. ومارينز أميركي لا يحوّل كل الأميركان مستعمرين. ومتشدد سعودي، بل ألف، لا يكفون للجزم بأن السعوديّة بلد المتشددين. بديهيّات نستعيدها في زمن فقدان المعايير، والتشنّج والضوضاء، والتشوّش الفكري والأخلاقي. صحيح أننا نتنفّس الصعداء، إذ تطالعنا في فضاءات إعلاميّة، معدودة في النهاية، انتقادات حادة لنظام آل سعود تخترق «قانون الصمت»، علماً بأن التحكّم الخليجي بالإعلام العربي، وبمصالح أقطابه، توتاليتاريّة رهيبة لا تكاد تشغل بال ليبراليّي الكرتون ويسار «الربيع العربي»، أو تقضّ مضجع «أصدقاء ثوراتنا» في الغرب الديموقراطي.
لكن النقد السياسي شيء، والتعميم الذي يبلغ حافة العنصريّة شيء آخر. بعد تسليط الضوء في بيروت على شبّان مستلبين، أتوا من المملكة مزنري الأجساد مسمّمي الرؤوس، ازداد الكلام على مسؤوليّة نظام كامل عن هذه الهمجيّة المبرمجة. ومنذ ١١ سبتمبر، حتّى الولايات المتحدة اعترفت بوجود مشكلة مفصليّة في العلاقة مع حليف كل العهود، قبل أن تغض طرفها مجدداً. فالنظام الوهابي بقيمه القروسطيّة، وتعاليمه، ومناهجه التربويّة، ومؤسساته الظلاميّة التي تتعايش مع أحد أفسد الأنظمة في التاريخ، آلة ضخمة لإنتاج التعصّب والتطرّف والعنف وإلغاء الآخر. ومع ذلك فكل أشكال الترغيب والترهيب لم يعد بوسعها أن تحجب هذه الحقيقة. وكل إدانة للإرهابيين والتكفيريين باطلة وكاذبة ومزيّفة إذا لم تكن موجّهة إلى النظام السعودي الوهّابي أوّلاً. أما الانزلاقات الإعلاميّة فمرفوضة تماماً. نحن نخوض معركة أخلاقيّة وسياسيّة وقوميّة محقّة ضدّ الطاغوت، ولا مكان لتوصيفات وتعميمات ونعوت تطاول شعباً شقيقاً وحده مخوّل بقلب الأمور في الجزيرة العربيّة.