لا يزال في لبنان من يؤمن بأن «الحراك المدني» قادر على التغيير. هذا ما يُفهم من المؤتمر الذي عقده، أمس، ناشطون في قصر الأونيسكو - بيروت. من هم هؤلاء الذين بدا خطابهم السلمي، وخاصة هذه الأيام، خارج الإطار؟ هم مجموعة شبّان، ظهروا قبل نحو عام، مع إعلان مجلس النواب التمديد لنفسه، وذلك بعد الفشل في إقرار قانون انتخابات جديد. هؤلاء الشبّان ديمقراطيون جداً، هذا ما يقولونه، وهم يؤمنون أن محاسبة المسؤولين لا يمكن أن تحصل إلا عبر صناديق الاقتراع.
إذاً، لقد حرمهم المسؤولون، قبل سنة، فرصة محاسبتهم من خلال حرمانهم «حق الاقتراع». من هذا المنطلق نادوا يومها بـ«عدم شرعية المجلس الحالي». اليوم عادوا إلى نشاطهم، وعنوانهم كما في العام الماضي: «الحراك المدني للمحاسبة». تحركوا بعدما «بدأت الطبقة السياسية نفسها بالتسويق للتمديد مرى أخرى».
تسألهم: على فرض صدّق الناس، أو بعض الناس، أنكم قادرون على فعل شيء، أي شيء، لكن هل أنتم تصدقون أنفسكم فعلاً؟ هل أنتم جديّون في قناعتكم لناحية التغيير، في هذه البلاد، بالطرق السلمية والمدنية؟ «نعم، نحن جديّون»... هذا ما تقوله يارا نصار، مديرة الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات. وتضيف في حديثها مع «الأخبار» على هامش المؤتمر: «كيف تتوقع منّا أن نُحاسب المسؤولين؟ ليس أمامنا سوى الانتخابات، مع قانون عادل، يتيح للناس محاسبة كل من قصّر أو أخطأ من النواب. سوف يتصاعد تحركنا كلما اقتربنا من المهل القانونية للانتخابات. تحركنا لم يأخذ حقه سابقاً، ربما بسبب الأوضاع الأمنية في لبنان والدول المجاورة، لكننا سنقوم بما علينا». قبل أكثر من سنة، نفّذ هؤلاء الناشطون العديد من التحركات الاحتجاجية، ثم غابوا عن المشهد تماماً، قبل أن يعودوا الآن إلى الظهور. لاحقاً ربما يمدد مجلس النواب لنفسه، مرى أخرى، وسينزل هؤلاء إلى الشارع، مرة أخرى، ثم يمكن أن يغيبوا عن المشهد مرة أخرى، وهكذا. هم يدركون ذلك، ويعرفون أن ليس بإمكانهم العمل خارج الإطار «السلمي» و«المدني». عندما توجّه السؤال إلى يارا نصّار، عما يمكن فعله إذا ظلوا يهتفون اعتراضاً، بينما النواب والمسؤولون يستمعون إليهم، يستمعون وحسب، من دون ان يتغيّر شيء، تجيب: «هذا صحيح، وهذا ما حصل سابقاً ربما، لهذا سيكون لدينا تحركات مفاجئة وجديدة، لن نكشف عنها الآن، لكن في حينه ستظهر. لا بد من شيء جديد لإعادة تسليط الضوء على التحرّك وعلى ما تفعله الطبقة السياسية في الوقت نفسه».
كان لافتاً أن المؤتمر، أمس، لم يستمر أكثر من ربع ساعة، إذ اكتفى القيمون عليه بإذاعة البيان الذي وزع لاحقاً على الإعلاميين. تقول زينة الأعور، المسؤولة الإعلامية في الحراك، إنه حصل اجتماع خاص بالناشطين قبل بدء المؤتمر الصحافي، و«اتفقنا فيه على خطة العمل اللاحقة، لقد مضى 11 شهراً على تمديد النواب لأنفسهم، بحجة أنهم يريدون وضع قانون انتخاب جديد، وهذا ما لم يفعلوه، الآن لديهم فرصة حتى منتصف آب لفعل ذلك. على كل حال ستتصاعد تحركاتنا، ونتمنى تفاعل المواطنين معنا، وسوف ننشر برنامج تحركاتنا على صفحتنا على موقع فيسبوك، وصفحتنا الأخرى على موقع تويتر أيضاً».
حسناً، على فرض حصول الانتخابات، أي عدم التمديد، لكن في ظل قانون انتخابي غير عادل، قانون يعيد انتاج الطبقة السياسية نفسها حكماً، فما الفائدة وما العمل عندها؟ تجيب نصّار: «صحيح، ولهذا جعلنا عنوان تحركنا: إجراء انتخابات وفق قانون جديد». هذا القانون المطموح إليه يلخصه ما جاء في البيان الصادر عن الحراك: «هل لديكم الجرأة على الذهاب إلى انتخابات بقانون يعتمد النظام النسبي في ظل دوائر موسعة؟». ويدعو البيان المواطنين والمواطنات إلى «المشاركة الكثيفة في هذه الحملة الوطنية، عبر الانخراط في سلسلة التحركات السلمية التي ستنطلق في بيروت، وستمتد لتشمل كافة المناطق. نحن هنا اليوم لنطلق حملة وطنية عنوانها: إقرار قانون انتخاب جديد يعتمد النظام النسبي، تجرى الانتخابات النيابة على أساسه، في موعدها، مع اعتماد كافة الاصلاحات».
ربما لن يتوقف أحد من المسؤولين أمام مؤتمرات كهذه، أو حتى تحركات على الأرض، وربما يكون من حق البعض ألا يعوّل على ما جُرّب سابقاً من دون جدوى، لكن في نهاية الأمر ثمة من لا يريد أن يصمت، يريد أن يصرخ حتى ولو علم بأنه غير قادر على فعل أكثر من ذلك، بغض النظر عن دوافعه إلى الصراخ.
ذات يوم، في تاريخ العرب، قيل لأحد الخلفاء إن جماعة من الناس تثير القلاقل ضدك، فماذا أنت فاعل؟ سألهم: هل فعلوا شيئاً سوى الكلام؟ فأجابوه: لا. عندها قال: إذاً دعوهم، أنحول دون الناس وألسنتهم؟