كادت الأمور في طرابلس تعود أمس إلى نقطة الصفر، وتعود معها أجواء التوتر إلى الشارع مجدداً، ما يهدد جدّياً الخطة الأمنية التي مرّ أكثر من 3 أشهر على البدء بتنفيذها، ويطيح كل الإنجازات الأمنية التي تحققت.
فقد كان واضحاً أن ما حصل أمس لم يكن وليد لحظته، ذلك أن مظاهر التوتر وإلقاء القنابل ليلاً والتعرّض لمواطنين ومطاعم ومقاه، واستهداف الجيش بعبوات ناسفة في الأيام الأخيرة، إضافة إلى مواقف سياسية تصعيدية كان آخرها بيان كتلة المستقبل أول من أمس، مثّلت الأرضية المناسبة لما شهدته طرابلس من قطع طرقات وإشعال إطارات واعتصامات، وحتى إطلاق رصاص.
ذروة التصعيد السياسي التي سبقت شبه الانفلات الأمني أمس، تمثلت في بيان «الكتلة الزرقاء» التي انتقدت بشدّة المؤسسة العسكرية، سواء عن اقتناع منها أو مجاراة لشارعها ومن يتقاطع معه من قوى لا تكنّ ودّاً للجيش، إذ أشارت كتلة المستقبل إلى «تجاوزات» رافقت الخطة الأمنية في طرابلس، معتبرة أن «الكثير من الاعتقالات مبنية على وثائق اتصال لا تجد لها سنداً من قانون. كما أن الكثير من التوقيفات التي حصلت مبنية على تحقيقات جرت تحت التعذيب، أو تحت الضغط الجسدي والنفسي لتفضي بتوجيه تهم بتأليف عصابات مسلحة أو تهم الإرهاب، لشباب كان جلّ عملهم حمل السلاح، في الوقت الذي لا يزال الكثيرون من الذين ارتكبوا جرائم القتل أو الإيذاء أو الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة بمنأى عن أي ملاحقة».
ولم تكد تمضي ساعات على بيان الكتلة، حتى كانت وسائط التواصل الاجتماعي تضجّ بشائعات عن تعرّض زياد علوكي، أحد قادة محاور طرابلس الموقوفين، لنوبة قلبية نتيجة إضرابه عن الطعام مع آخرين لمطالبتهم بإطلاق سراحهم، ما اضطر لنقله إلى المستشفى للعلاج قبل إعادته إلى السجن. ودفعت هذه الشائعة مناصريه وأقرباء الموقوفين في أحداث طرابلس والموقوفين الإسلاميين للنزول إلى الشوارع، قرابة الخامسة من فجر أمس، وقطعها.
وترافق ذلك مع أنباء عن إطلاق سراح اثنين من قادة المحاور في جبل محسن، هما خضر خضر وعلي سناء، ما أثار غضب أهالي الموقوفين أكثر، لأن الجهات الأمنية والقضائية المعنية تتعاطى برأيهم مع الموقوفين بطريقة غير متساوية.
وهكذا، لم تكد تمضي ساعات حتى كانت طرقات وشوارع عدة في طرابلس قد قطعت بالحجارة والاطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات وعربات الخضر، وتحديداً عند مستديرة نهر أبو علي. وقطعت الطريق الدولية بين طرابلس وعكار، وأطلق ملثمون رشقات نارية في الهواء. كذلك أقفلت طرق في باب التبانة والحارة البرانية والزاهرية والقبة والعيرونية، وصولاً إلى البداوي والمنية، مسقط رأس قائد محور موقوف أيضاً هو سعد المصري، وفي عكار.
هذه التحرّكات رافقتها مؤشرات تصعيدية واضحة، إذ حصل إشكال في منطقة البقار بين الجيش ومحتجين كانوا يحاولون قطع الطريق. واستمر مسلسل رمي القنابل اليدوية حتى في وضح النهار، فوصل عدد القنابل التي ألقيت في أقل من 24 ساعة إلى 27 قنبلة حتى عصر أمس. كذلك نصب المحتجون 4 خيم قرب مسجد التقوى، وأعلنوا أنهم لن يرفعوا اعتصامهم قبل إطلاق الموقوفين.
وتزامن اعتصام أهالي ومناصري الموقوفين مع بيان منسوب إلى الشيخ سالم الرافعي يعلن فيه موافقته على الاعتصام وقطع الطرقات، لكنه أوضح لاحقاً في بيان أن «هذا الكلام عار من الصحة»، مع تأكيده «تأييد مطالب أهالي الموقوفين المظلومين».
لكن ما كان لافتاً في الاعتصام أن بعض أهالي الموقوفين انتقدوا بشكل علني ولاذع وزيري الداخلية والعدل نهاد المشنوق وأشرف ريفي، محمّلين إياهما مسؤولية إيقاف أبنائهم، وإطالة أمد توقيفهم.
مفاجآت الاعتصام وارتداد السحر على الساحر لم تتوقف عند هذا الحد. فالمشاركون في الاعتصام لم يتعدوا العشرات، أغلبهم من النساء والأطفال. كذلك فإن نواب تيار المستقبل وقياداته، الصقور والحمائم على السواء، غابوا عن السمع، وكأن الأمر لا يعنيهم، باستثناء النائب سمير الجسر الذي حاول بتصريحه إبعاد التهمة عن تياره، بدعوته إلى «وضع إطار للخطة الأمنية ضمن العدالة والقانون». ودافع عن حملة السلاح معتبراً أن «من غير المقبول اتهام من حمل السلاح بالإرهاب».
هذه الأجواء جعلت حركة الاحتجاج والتحريض تتراجع نسبياً ليقوم الجيش بإعادة فتح الطرقات تباعاً، باستثناء مستديرة نهر أبو علي، بعدما فضّل «عدم مواجهة المحتجين في الشارع، ومعالجة الوضع بهدوء حتى لا نعطي أحداً فرصة حصول صدام نرفضه نهائياً مع المواطنين»، وفق ما أكد لـ«الأخبار» مصدر عسكري.
هذا التحرك الذي أجهض لأن أحداً لم يتبنّه علانية، أو لم يدعمه، دفع مصادر سلفية إلى الدعوة من أجل «إيجاد مخرج وحل لقضية الموقوفين، الإسلاميين وسواهم. فالتراكمات من الأخطاء وعدم المعالجة الصحيحة لهذا الملف أوصلا الأمور إلى هنا». وحذّرت المصادر من أن «أطرافاً داخلية وخارجية لن تتردد في استغلال هذا الملف عند كل مناسبة». وعبّرت المصادر عن استيائها لأن «المساعي السياسية لم تثمر سوى وعود لم يتحقق منها شيء»، معتبرة أن «طموحات بعض الوزراء، وتحديداً المشنوق وريفي، في تسلم رئاسة الحكومة، ومراضاتهما أطرافاً داخلية وخارجية تحت عنوان محاربة الإرهاب، تجعل ملف الإسلاميين في آخر اهتماماتهما».
من جهتها، قالت مصادر مقرّبة من الرئيس نجيب ميقاتي لـ«الأخبار» إن «ما شهدته طرابلس أمس هو بعض ممّا زرعه تيار المستقبل في الشارع، من تحريض وتوتر، وها هو اليوم يحصده». وتوقعت «حصول أكثر من صدام بين تيار المستقبل والشارع السنّي في المرحلة المقبلة»، مذكّرة بأن حكومة ميقاتي «كانت وحدها من أفرجت عن موقوفين إسلاميين، بينما الآخرون يتاجرون بقضيتهم».




السيد: موقوفو رومية ضحايا المستقبل

اعتبر اللواء جميل السيد أن «مشكلة الموقوفين الإسلاميين هي قلباً وقالباً محصورة فقط بتيار المستقبل وبعض نوابه، وباللواء أشرف ريفي كقائد سابق للأمن الداخلي وفرع المعلومات وكوزير حالي للعدل». وانتقد السيد في بيان «البيان الملتبس الصادر عن كتلة نواب تيار المستقبل، وقبله تصريح ريفي الذي يربط بين الموقوفين الإسلاميين في روميه من جهة ووثائق الاتصال التي تصدر عن قيادة الجيش وقرارات الإخضاع التي تصدر عن الأمن العام من جهة أخرى». وأشار السيد إلى أن «هذا يشكل محاولة خبيثة وفاشلة من تيار المستقبل للتهرب من المسؤولية ولإيهام الموقوفين الإسلاميين من طرابلس والشمال زورا بأن مشكلتهم هي مع الجيش والأمن العام وغيره من الأجهزة الأمنية، في حين أن مشكلتهم مع المستقبل وريفي». وأكد أن «الموقوفين في روميه هم ضحايا للسياسات المتقلبة للمستقبل وضباطه وقضاته».