سجّل النائب الوليد سكرية صباح أمس لدى المجلس الدستوري طعناً جديداً في قانون الإيجارات الجديد، موقّعاً منه ومن النواب آغوب بقرادونيان وعبد اللطيف الزين وقاسم هاشم وزياد أسود ونديم الجميّل ونواف الموسوي وبلال فرحات وإيلي ماروني وفادي الهبر (يُسجل أن النائبين مروان فارس ودوري شمعون اللذين وقّعا الطعن السابق لم يوقّعا الطعن الجديد)، فيما سجل المالكون للأبنية القديمة سابقة بمحاولة منع تسجيل الطعن عبر محاصرة المجلس الدستوري وإغلاق مدخله، والتعدي بالضرب على المحامي أديب زخور لدى محاولته الدخول لتسجيل الطعن في قلم المجلس برفقة محامين وأعضاء في لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين، تحت وابل من التهديدات والشتائم.
طالب المالكون الغاضبون النواب «بعدم الطعن في القانون الذي سبق أن صوتوا عليه، واحترام صوتهم والملكية الفردية والدستور اللبناني»، معلنين أن «كل نائب يطعن في قانون الإيجارات سيُطعن فيه في الانتخابات النيابية المقبلة». فيما رأت لجنتا المتابعة للمؤتمر الوطني للمستأجرين والدفاع عن حقوق المستأجرين أن القانون المطعون فيه يشكل «خروجاً عن مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، واعتداءً على حق السكن، ومصادرة حقوق مكتسبة للمستأجرين المهددين بالتشرد والتهجير في حالة نفاذه»، مطالبين بـ«إقرار قانون عادل للإيجارات ينصف المالك ويحمي حقوق المستأجر». وأدانت اللجنتان اعتداء المالكين بالضرب على المحامي زخور، وممارسة «شتى أساليب البلطجة وإطلاق الشتائم والاتهامات والتهديدات»، ورأتا أن «المسلك الهمجي» هذا «اعتداء على المجلس الدستوري»، داعية النيابة العامة إلى التحرك. من جهته، أكد رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين وجيه دامرجي استمرار لجنته بالتواصل مع النواب موقعي الطعن، «من أجل صياغة قانون جديد يرضي الجميع»، محذراً من «محاولات الضغط على المجلس الدستوري».
لم يكن ما حصل على مداخل مقر المجلس الدستوري عفوياً، بحسب عضو لجنة الدفاع عن المستأجرين كاسترو عبدالله، الذي يتحدث عن قيام بعض هؤلاء باستطلاع الطرق الفرعية المحيطة بالمجلس الدستوري ليلة أول من أمس تمهيداً لحصاره، الأمر الذي أكده أحد النواب من موقعي الطعن. دخل المحامون وأعضاء لجنة المستأجرين مبنى المجلس الدستوري فور فتح أبوابه عند الثامنة صباح أمس، ليقوم نحو عشرين شخصاً، بعضهم مسلح بالعصي، بـ«الهجوم على باب المجلس»، وضرب المحامي زخور، ومحاولة الاعتداء على المحاميين علي الصاعي ونبيل مشنتف، بحسب رواية عبدالله، الذي يشير إلى قيام لجنته برفع دعوى منذ أشهر قليلة على رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة جوزف زغيب بتهمة إطلاق الإهانات والتهديدات، وأن الأخير استُدعي الأسبوع الماضي إلى مفرزة تحري جونية، وتعهد عدم تكرار فعلته.

التعدي بالضرب
على المحامي أديب زخور لدى دخوله إلى المجلس الدستوري
«لن يدخل أحد إلى المجلس، والطعن لن يقدم. سنرميهم بالأحذية. هذه إبادة جماعية للمالكين»، قال عدد من محاصري المجلس الدستوري، بحسب علاء مروّة، عضو فريق «المفكرة القانونية»، راوياً أن أحد موظفي المجلس الدستوري أكد أن محاميَين اثنين مكثا ليل أول من أمس داخل المجلس لتقديم الطعن صباح أمس، استباقاً لحصار المجلس.
لدى المجلس الدستوري مهلة شهر لينظر في الطعن المقدم، يقول المحامي نزار صاغية، لافتاً إلى أن الطعن بحد ذاته سبّب «معركة ضخمة»، وأن «الهجمة الكبيرة» على حق التقاضي نفسه، ومحاصرة المجلس الدستوري من أناس ينكرون الحق بالطعن، هو سابقة خطيرة، رغم أن المجلس الدستوري كان قد «استنكف عن إحقاق الحق» بإبطال الطعن بدل إبطال القانون نفسه، «بحجج شكلية»، وإلغاء الطعنين المقدمين من قبل نواب ومن قبل رئيس الجمهورية السابق. مجرد جمع النواب العشرة كان صعباً جداً، يقول صاغية، متحدثاً عن «ضغوط كبيرة جداً» مورست على النواب، ما جعل من مجرد تقديم الطعن «معركة حقيقية»، هي «معركة الحق بالتقاضي».
الطعن المقدم من النواب العشرة أمس كان «حاسماً»، إذ كان «الطريق الوحيد لإحالة مسألة دستورية القانون مجدداً أمام المجلس الدستوري»، بما يختلف كلياً عن الحال حين قُدّم الطعن الأول في شهر أيار الماضي، حيث كان دور الطعن النيابي «مجرد دور مكمل للطعن المقدم من قبل رئيس الجمهورية السابق، والذي كان كافياً بحد ذاته لتحريك المجلس الدستوري»، بحسب تقرير نشرته «المفكرة القانونية» منذ أيام (آخر مهلة للطعن في قانون الإيجارات في لبنان: 11 تموز) يمكن تتبع مسار التجاذب السياسي - القانوني لقانون الإيجار الجديد، لإدراك حجم الضغوط الهائلة لإمراره. ففي تاريخ 13/6/2014، «أصدر المجلس الدستوري بالأكثرية قراراً يقضي بعدم إمكان النظر في الطعنين المقدمين من رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان ومن نواب عشرة على قانون الإيجارات. وقد علل قراره بأن الطعن تناول النص المنشور في ملحق العدد 20 من الجريدة الرسمية بتاريخ 8/5/2014، أي قبل انقضاء شهر من تاريخ إبلاغه لرئيس الجمهورية السابق والحاصل في 8/4/2014، ما يوجب اعتبار النص المطعون عليه غير نافذ بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 57 من الدستور. ومن المعلوم أن رئيس الجمهورية السابق لم يوقع القانون ولم يرده، ونكتشف من القرار أن القانون قد نشر قبل يوم واحد فقط من انقضاء شهر من تاريخ إبلاغه القانون إليه».
وقد رأت «المفكرة» أن نص قرار المجلس الدستوري ذاك يحتمل تفسيرين: فإما أن «يُقال إن عناصر (القرار) قد اكتملت بعد يوم واحد من نشره (في 9/5/2014)، ما يسمح بنشره في الجريدة الرسمية مجدداً»، أو أن يُفسر القرار بوجوب «إعادة إبلاغ القانون إلى الحكومة بدلاً من رئيس الجمهورية إنفاذاً للمادة 57 من الدستور، بعدما أصبحت تتمتع بصلاحياته بفعل شغور المنصب ليكون لها الحق برده خلال شهر من ابلاغها إياه أو توقيعه أو الطعن عليه بعد نشره». ترى «المفكرة» أن التفسير الثاني هو «الأصح على ضوء حرفية القرار، حيث جاء بوضوح أن القانون المذكور غير نافذ، مما يُفهم منه أن عيب نشره قبل اكتمال شروطه لا يؤثر فقط بصحة النشر، إنما أيضا بنفاذه ويفرض إعادة إبلاغ الحكومة». تفسير القيمين على الجريدة الرسمية للقرار وفق الاتجاه الأول، يطرح «أسئلة ملحة» بحسب «المفكرة» حول الإشراف على عملية النشر في الجريدة الرسمية والرقابة عليها، وخاصة «بعدما أظهر النشر الهامش الواسع لهؤلاء (القيّمين على الجريدة) للتأثير على مجريات الأحداث القانونية، بحيث تؤدي لعبة النشر في اتجاه أو آخر، في توقيت أو آخر، إلى ضياع الحقوق».