... ووصل قطار مونديال 2014 إلى المحطة الأخيرة بعدما جال على امتداد البرازيل ليتوقف في ريو دي جانيرو، في ملعبها التاريخي «ماراكانا». ركاب كثيرون ترجلوا منه باكراً بعدما كانت حجوزاتهم في بلاد سحرة الكرة تمتد لليلة 13 تموز، وبعضهم حتى قبل أن تقطع الرحلة أيامها العشرة.
وحدهما ألمانيا والأرجنتين ظلتا متمسكتين بمقعديهما تودّعان عند كل محطة ركاباً وتستقبلان مزيداً من الحلم والأمل. لكن، غداً، لن يتسع هذا القطار، الذي اختزن في هذه الرحلة كمّاً هائلاً من الذكريات واللقطات التي ستبقى خالدة في الأذهان لردح من الزمن، إلا لراكب واحد عندما يطلق الحكم صفارة ختام هذا الكرنفال المدهش إلى أبعد الحدود. غداً، راكب واحد سيكمل الأمتار الأخيرة نحو احتضان الحلم الكبير، حلم الكأس الذهبية.
اذاً، إنه النهائي الحلم، نهائي «ماراكانا» ونسيم بحر الكوبا كابانا وسحر ليالي البرازيل. بطل للعالم في بلاد الكرة ومنبع سحرها (في أزقة الأحياء وعلى رمال الشواطئ، لا قطعاً في منتخبها الحالي). بطل للعالم في بلاد الكرة الأصيلة التي تجسدت بعمالقة أفذاذ من غارينشيا الى بيليه وزيكو وروماريو وريفالدو ورونالدو ورونالدينيو حتى كاكا؟ بطل للعالم في «ماراكانا» وفي بطولة كالتي شهدناها؟ بالتأكيد لن يكون أي بطل في تاريخ هذه اللعبة على اتساع سحر فنونها ومتعة جنونها.

غداً، سيكون العالم كله في ريو دي جانيرو. وفي ملعبها التاريخي سيقف الألمان بنجومهم الذهبية الثلاث على قمصانهم، يقابلهم الأرجنتينيون بنجمتيهم، وبينهما نجمة برازيلية جديدة تلمع وذكريات ماض وصور مواعيد جمعتهما في أكثر من مونديال تحكي عنها تحديداً ابتسامة دييغو أرماندو مارادونا وهو يرفع الكأس الذهبية في ملعب «آزتيك» في مكسيكو بعد فوزه على ألمانيا في نهائي مونديال 1986، ودموع دييغو نفسه تقابلها فرحة لوثار ماتيوس وهو يحتضن الكأس في روما بعدما ردّ «المانشافت» التحية لـ«راقصي التانغو» في نهائي مونديال 1990.

يقف ميسي أمام
المباراة الأهم في مسيرته، فهل سيحطّم الألمان حلمه كالعادة؟
هذه الدموع ستكون حاضرة بكثرة غداً عند الساعة 23,45 بتوقيت بيروت تقريباً، في حال انتهاء المباراة في وقتها الأصلي، إما فرحاً أو حسرة. لا شك في ذلك لبلدين ينتظران احتضان ذهب المونديال منذ أكثر من عشرين عاماً، وتحديداً منذ 24 عاماً لألمانيا، و28 عاماً للأرجنتين. وبالتأكيد، فإن هذه الفرصة الذهبية بالوصول إلى المباراة النهائية وأين؟ في «ماراكانا»، من المفترض أن تجعل من هذه المباراة ملحمة كروية، فاللاعبون سيقاتلون بلا هوادة من أجل العودة إلى الوطن مطوّقي الأعناق بالذهب.
المهم، ماذا ينتظرنا غداً؟
خارج الملعب، سيكون كرنفال حقيقي مشوبٌ بقلق أمني طبعاً مع التقديرات التي تحدثت أمس عن وصول 100 ألف متفرج أرجنتيني إلى ريو دي جانيرو، وما يعنيه هذا الرقم في معقل البرازيليين على جنبات «ماراكانا» انطلاقاً من العداء الكروي التاريخي بين البلدين.
أما داخل الملعب، فمعركة بأتمّ ما للكلمة من معنى ستدور رحاها بين الألمان المعروفين بجديتهم، والأرجنتينيين المعروفين بروحهم القتالية، وخصوصاً أنهم ينشدون الثأر من رجال المدرب يواكيم لوف الذين أخرجوهم من ربع نهائي نسخة 2010 برباعية تاريخية بعدما كان رجال سلفه يورغن كلينسمان قد أطاحوهم أيضاً من ربع نهائي مونديال 2006، حيث لا يزال ليونيل ميسي شاهداً على هاتين الخسارتين.
قلنا ميسي؟ بالتأكيد فإن الأضواء ستكون مصوّبة على نجم برشلونة الإسباني أكثر من غيره في أمسية غد، إذ يمكن الجزم بأن «ليو» سيكون أمام المباراة الأهم في مسيرته، كيف لا، وتألقه فيها سيضعه على مرتبة واحدة مع مارادونا. لكن مهمة ميسي لن تكون بتلك السهولة على الإطلاق، ليس فقط لأن «البرغوث» برز في دور المجموعات ومن ثم اختفى تدريجاً في الأدوار الإقصائية، بل لأن مواجهة الألمان تحديداً ليست كمواجهة غيرهم، فالكل لا يزال يذكر كيف أن هؤلاء أخفوا بريق هذا النجم في مواجهتهما السالفة الذكر في مونديال جنوب أفريقيا، ليعود الأمر ويتكرر مع ميسي أمام معظم هؤلاء اللاعبين في مباراة بايرن ميونيخ وبرشلونة في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي. غير أن هذا لا يمنع من أن «ليو» يبقى اللاعب الأخطر في العالم والذي يجب التنبه له طيلة 90 دقيقة مهما كانت الظروف، وهذا لا شك بأن لوف ولاعبيه قد وضعوه في الحسبان جيداً، وخصوصاً أن الحافز سيكون كبيراً لدى ميسي هذه المرة أمام فرصته المونديالية الأخيرة للوصول الى المجد.
القول هنا بأن الألمان هم الأجدر باللقب أو المرشحون للفوز _ كما يذهب إليه كثيرون _ وخصوصاً بعد أدائهم المدهش أمام البرازيل وأداء الأرجنتين العادي أمام هولندا قد يبدو الأقرب الى المنطق، لكن من يعرف الألمان يدرك جيداً أنهم يتعاملون مع كل حدث على حدة ويعطون كل موعد حقه، فكيف إذا كان الأمر مرتبطاً بنهائي المونديال؟ من هنا، يُنتظر أن يتعامل الألمان مع المباراة بجدية تامة متناسين فوزهم السابق لسببين: أولهما طبيعة المباراة، وثانيهما، والأهم، أنهم اختبروا كيفية أن يكونوا مرشحين والطرف الأقوى، ومن ثم يخرجون بخيبة كما حصل في مونديال 2010 بالفوز على إنكلترا 4-1 في الدور الثاني وبعدها على الأرجنتين 4-0 في ربع النهائي، ومن ثم السقوط أمام إسبانيا 0-1 في نصف النهائي.

غداً إذاً سنشهد الفصل الأخير من رواية رائعة كُتبت في ملاعب البرازيل على مدى شهر، وحان وقت من يخط خاتمتها بأحرف من ذهب. خاتمة يتطلع الجميع لأن تكون لائقة وعلى قدر هذه الرواية الساحرة.