يحتار العدو الآن في كيفية الانتهاء من هذا الفصل. طبعاً، هو لم يذهب بقدميه، كما هي العادة، الى هذه الجولة مع المقاومة في فلسطين. وهذا لا يعني أن قوى المقاومة خططت لجرّه الى ما يقوم به من جرائم. هي، أيضاً، لا تضع في أولوياتها خوض حرب شاملة اليوم، لكن فعلاً ما جعل العدو يتصرف بعنجهية معتادة. كان دائماً يعتقد بأن كلمته هي العليا، وأنه قادر على فرض شروطه، أو قسم كبير منها، أو نصفها أو بحدها الأدنى، وكان يعمل دائماً على جعل المقاومة تقبل بدفع الثمن فقط، وأن تقبل بخاتمة على طريقة الخروج بأقل الأضرار.
الصورة ليست هذه المرة على هذا النحو. هناك انطباع قوي بأن الطرفين لا يمانعان وقف الحرب الآن. لكن السؤال: بأي ثمن يمكن فعل ذلك؟ وهنا نعود الى المربع الأول: ما الذي يدفع أحد الطرفين الى التراجع في هذه اللحظة؟
السؤال موجّه بداية الى العدو. هو، أولاً، فوجئ بما حصل مع المستوطنين الثلاثة في الضفة. سارع الى التعويض عن عجزه الأمني من خلال عمليات قمعية في الضفة، وتوجيه ضربات في غزة. وبعد العثور على المستوطنين قتلى، أعطى لنفسه حق الرد انتقاماً. قرر، من طرف واحد، أن يطلق العنان لوحشية ميليشياته من المستوطنين في الضفة، واعتبر أن من حقه تصعيد الضربات في غزة. لكن عنصر المفاجأة أن المقاومة كانت في حالة جهوزية. وكل ما قام به العدو، حتى اللحظة، لم يصب بقوة جسم الكادر القيادي للمقاومة، ولا ترسانتها العسكرية، فبرزت أمام العدو إشارة مقلقة: ثمة خلل استخباري.


حماس تواجه
اليوم تحدّيات
تخصّ موقعها السياسي خارج القطاع وهذا محفّز لصمودها

الخطوة التالية للعدو كانت في رفع مستوى الضربات العسكرية. كان يعرف أنها ستقود سريعاً الى ردود واضحة من جانب المقاومة. وعند غياب الهدف السياسي المباشر لمثل هذه الحرب، فإن العدو لا يعرف كيف يضع اليوم عنواناً أو شرطاً قابلاً للتحقق... هل سيطلب تعويضاً لعائلات المستوطنين مثلاً؟
البديل في هذه الحالة هو انطلاق وساطة سياسية عاجلة. لم ترفع المقاومة في غزة الصوت طالبةً إنقاذها، بل، على العكس، لا تبدو المقاومة مستعدة حتى اللحظة لأي تنازل. أكثر ما يمكن أن تقبل به هو، ببساطة: ليوقفوا إطلاق النار، فنوقف إطلاق النار!
لذلك، وجد العدو أن خياراته محددة في ارتكاب جرائم تدفع الفلسطينيين الى الضغط على قيادة المقاومة لطلب وساطة، أو التهديد بحرب برية هدفها تحقيق نجاحات ميدانية موصوفة تدفع المقاومة الى التراجع. والعملية البرية ليست أمراً مستحيلاً، لكنها تمثل «الفخ» الذي يخشى العدو، أكثر من أي وقت مضى، السير نحوه بقدميه. بإمكان المراقب أن يقدر حجم التقدم في حرب الصواريخ من جانب المقاومة أخيراً، لكن العدو لم يختبر حجم التقدم في قدرة المقاومة على المواجهة برياً. وحتى اللحظة، يسرب قادة العدو، من العسكريين والسياسيين، أن أي حرب برية، إن حصلت، ستكون موضعية وذات أهداف متواضعة عنوانها دفع المقاومة الى التراجع.
ماذا في جبهة المقاومة؟
هناك أشياء كثيرة لا يجري التطرق إليها، لأن صوت الرصاص هو المتقدم. لكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن ملاحظة أسباب إضافية تجعل المقاومة أكثر تمسكاً بموقفها. هناك تحولات ميدانية حقيقية، إن استمرت على النحو الذي نراه، يمكنها تعزيز الموقف السياسي. وما لا يقدر العدو على فك أسراره، في هذه اللحظات، هو البعد الخاص، والخاص جداً، الموجود في عقل حركة «حماس»، لتجاهل كل أنواع الضغوط، والنظر فقط الى قدرات المقاومين على الثبات وتحقيق النجاحات.
«حماس»، اليوم، تواجه اختباراً يتصل بموقعها ليس في قلب معركة المقاومة ضد إسرائيل. بل تحاول، وأمامها فرصة جدية، أن تعيد من خلال المقاومة الاعتبار الى الحضور العربي والدولي لتيار «الإخوان المسلمين». هذا التيار الذي أصيب بانتكاسات كبيرة أخرجته من مصر وليبيا وسوريا، وحجّمته في دول كثيرة من العالم العربي. وجعلته رقماً ثانياً، بعد احتلال أبناء «القاعدة» المشهد والصورة.
«حماس»، اليوم، في حالة الدفاع ليس فقط عن خيارها في المقاومة، بل عن حضورها وحقها في انتزاع ما يميزها عن بقية أخواتها في حركة «الإخوان». وهي، أيضاً، لن تمانع وساطة قطرية ــــ تركية تحل محل الوساطة المصرية. وفي ذلك ما يمنحها حق تثبيت تحالفاتها المستجدة منذ 3 سنوات الى الآن.
الأكيد أن القوى الفاعلة في محور المقاومة، من حزب الله الى إيران، مروراً حتى بسوريا، لن تتجاهل ما يجري في غزة. ولمن لا يعرف، فالعلاقة بين إيران وكتائب القسام استعادت الكثير من لياقتها السابقة. وليس في جدول أعمال طهران أو حزب الله شيء اسمه عزل «حماس» أو محاصرتها... لكن السؤال الموجه الى «حماس»، اليوم، وإلى قيادتها السياسية أولاً وأخيراً، هو: هل تستلزم متطلبات المقاومة فعلاً تغييراً في الاستراتيجيات السياسية والتحالفات أم لا؟

■ ■ ■


بند لبناني: خرج كثيرون يهاجمون لجوء مقاومين شرفاء من لبنان الى إطلاق صواريخ باتجاه مستعمرات العدو في فلسطين المحتلة. ويرون في ذلك مغامرة أو فعلاً مضراً. لكن ما يجب أن يعرفه أهل لبنان أولاً، وبقية العالم ثانياً، أن من يتسمّر أمام الشاشة، ويشاهد جرائم العدو، من المنطقي أن يسأل: هل هذا فقط ما يمكننا فعله لنصرة غزة؟