القاهرة | لم تُطفئ عبارة «دراما مستوحاة من أحداث حقيقية» غضب المناهضين لمسلسل «سرايا عابدين» (mbc «mbc مصر» ــ إخراج عمرو عرفة) انطلاقاً من أنّ هذا لا يعفي مؤلفة الحلقات هبة مشاري حمادة من المسؤولية، خصوصاً أنّها حرّفت تواريخ وأحداثاً وشخصيات مهمة.
«الاستيحاء» من الواقع لا يقتصر على المسلسل الضخم الذي تجاوزت كلفته ا20 مليون دولار أميركي، بل تكررت في أعمال رمضانية عدّة هذا العام، لكن من دون أن يعترف صنّاعها بأنّ قصصهم مأخوذة من أخرى سبقتها. تصرّف قد يكون بهدف الهروب من المقارنات التي تطاول هذا النوع من الإنتاجات كما جرى مع «سرايا عابدين» و«صديق العمر» («النهار»، osn)، أو لتفادي الملاحقات القضائية. الاحتمال الأخير كان السبب وراء عدم اعتراف صناع «المرافعة» (cbc) بأنّه يجسّد قصة المغنية اللبنانية سوزان تميم، التي ذهبت ضحية جريمة قتل مروّعة في شقتها في دبي عام 2008. لكن من يتابع العمل يدرك بسهولة أنّ الأحداث والشخصيات تكاد تتطابق مع قصة تميم، تماماً كما حدث في مسلسل «ليالي» الذي أدّت بطولته الممثلة المصرية زينة قبل سنوات. غير أنّ «المرافعة» يعتبر أكثر قرباً من قصة صاحبة أغنية «ساكن قلبي»، فيما يشترك الاثنان في عدم الاعتراف بذلك رسمياً خوفاً من مقاضاة أسرة الراحلة للمنتجين.

السبب يعود
إلى الهروب من المقارنات أو لتفادي الملاحقات القضائية

يتميّز «المرافعة» بوجود شخصية المرشد الأخير لجماعة الإخوان محمد بديع الذي جسّده أحمد عبد الوارث. علماً بأنّ المرشد يقبع حالياً خلف القضبان بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي. ضَمّ هذه الشخصية إلى المسلسل، تأتي في إطار تأكيد رغبة أسرته عدم حصر جهودها في قضية سوزان تميم فقط. على خط موازٍ، تأكد لجمهور «ابن حلال» (النهار) أنّ واقعة مقتل ابنة المطربة المغربية ليلى غفران (تجسّدها وفاء عامر) هي بالفعل المحور الرئيس للعمل مع بعض الاختلافات في التفاصيل. لكنّها اختلافات لن تشوّش على المشاهد الذي لا يحتاج إلى من يذكره بتفاصيل القضية، خصوصاً أنّ حكم الإعدام نُفّذ بحق القاتل قبل أسابيع. وفيما يدور «السيدة الأولى» («أبو ظبي الأولى»، osn) حول سياسي شهير يترك زوجته وأولاده ويخوض علاقة عاطفية مع مديرة حملته الانتخابية (غادة عبد الرازق) التي تدفع به إلى القصر الرئاسي، لاحظ متابعوه أنّ بعض الأحداث التي تتعلق بابنة الرئيس (ممدوح عبد العليم) تنطلق من وقائع جرت بالفعل للممثلة المصرية سلمى صباحي، ابنة حمدين صباحي المنافس الوحيد للرئيس عبد الفتاح السيسي في السباق الرئاسي الأخير.
هكذا، احترف المؤلفون استثمار أحداث واقعية في إنتاج خطوط درامية يصعب وقوعها في فخ التطابق بسبب بعض الفروقات الأساسية التي تفصل بين العمل الدرامي والحقيقة على الأرض.
كذلك، يغص مسلسل «تفاحة آدم» بطولة خالد الصاوي ــ «المحور»، «الحياة»، art) بما يمكن وصفه بـ«استغلال» الكثير من الوقائع والشخصيات التي عرفها الرأي العام بعد «ثورة يناير»، وإعادة صياغتها درامياً لتخدم فكرة العمل. مثل أن يبتز البطل النصاب بعض شباب الثورة والسياسيين بتسجيلات عثر عليها، وهو ما جرى فعلاً، لكن تلك التسجيلات وجدت طريقها إلى العرض العام.
في المقابل، شهد مسلسل «السبع وصايا» (cbc، osn) مشهد حبس ضابط لمدّة 4 أيام على ذمة التحقيق، بعدما قتل متهم تحت التعذيب داخل أحد أقسام الشرطة. المشهد جاء بمثابة محاكاة ساخرة من الواقع الذي يعلم المصريون جيّداً أنّه لم يشهد أبداً معاقبة الضابط على جريمته. وكأنّ المؤلف محمد أمين راضي أراد تكريس الواقع لكن من زاوية عكسية.
على مستوى المسلسلات الكوميدية، لم تبتعد الإيفيهات الضاحكة عما عايشه المصريون أخيراً في مشهد المحاكمة الافتتاحي لمسلسل «فيفا أطاطا» (cbc). ترد شخصية «أطاطا» (محمد سعد) على قرار القاضي بعبارة «حقك ما إنت رئيس لكل المصريين». وهي العبارة التي لطالما ارتبطت بمحمد مرسي بعدما ولّد إحساساً لدى الجميع بأنّ قراراته كانت تصب في خدمة الإخوان فقط.
أما بالنسبة إلى مسلسل «الكبير أوي 4» (cbc، osn)، فرغم أنّ معظم حلقاته تقوم على النوستالجيا من خلال إعادة تجسيد أفلام ومواقف درامية يحن لها الجمهور لكن في إطار كوميدي، إلا أنّ صناعه لم يفوّتوا النجاح الكبير الذي حققته أغنية «بشرة خير» (غناء حسين الجسمي، كلمات أيمن بهجت قمر، ألحان عمرو مصطفى) قبل فترة. أضيفت الأغنية إلى إحدى الحلقات، كما استخدمت في الإعلانات الترويجية للمسلسل، لتأكيد أنّ الخصام مع الواقع والإخلاص للدراما المنفصلة عن الشارع السياسي أمر يمكن تحقيقه في أي مكان إلا في «هوليوود الشرق»، خصوصاً في ظل الأزمات التي تمرّ فيها أخيراً على مختلف الصعد.



الكهرباء فين؟

رغم التقارب بين مضمونها وما يجري في الشارع المصري، ركزّت الانتقادات الساخرة من مسلسلات شهر الصوم على خصامها للواقع وعدم اقتباسها منه، لكن من زواية مختلفة هذه المرّة. زاوية تتمثّل بكثرة انقطاع التيّار الكهربائي الذي تشهده المحروسة في الآونة الأخيرة مثلاً. رغم مجاهرة المواطنون بالشكوى من هذه القضية، إلا أنّ شيئاً لم يتغيّر بعد، لا في الدراما ولا في الحقيقة. الكهرباء لم تتحسّن بعد، في مقابل تصويرها في أحسن حالاتها في مشاهد المسلسلات المصرية من دون انقطاع، على عكس الحال في بيوت المشاهدين.