يكاد يتأكد يوماً بعد آخر ان الانجاز الفعلي، والمطلوب، لحكومة الرئيس تمام سلام مذ ابصرت النور في 15 شباط هو ان تكون السقف الدستوري لواقع البلاد في خضم الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً في ظل شغور رئاسة الجمهورية. بدت هذه مهمة الحكومة الجديدة مذ ذاك، والقلق الذي رافق جهود التأليف الى ان وقع المحظور واخفق انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
بعدما خلت رئاسة الجمهورية في 25 ايار، لم يتح للحكومة سوى عقد ست جلسات: الاربع الاوَل بلا جدول اعمال، ودوران في سبل الاتفاق على آلية انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء، وضوابط ممارستها، ونطاق حق كل وزير في الاضطلاع بدوره من خلال الصلاحيات، وقد بات جزءاً لا يتجزأ منها، انتهت في 26 حزيران. اما الجلستان الاخريان في الاسبوعين التاليين، ثانيتهما الخميس الماضي، فعقدتا بجدولي اعمال بلا ثمار مجدية بسبب الخلاف على ملف الجامعة اللبنانية. ثم عُلّقت جلسات الحكومة وشُلّ دورها في صورة مستعادة لما كان عليه سلام في مرحلة ما قبل التأليف، معطل الارادة: لا هو قادر على التأليف، ولا على الاعتذار عن عدم التأليف. اليوم رئيسها في واد، ووزراؤها جميعا في واد آخر يصح معه القول فيها: سيري فعين الله ترعاك.
بري: سلام وقع
في خيبة آلية غير دستورية ليست
مني في شيء

بيد ان ابرز ما يعنيه واقعها المستجد، بضع ملاحظات ابرزها:
1 ـــ مذ حازت ثقة مجلس النواب في 20 آذار، عقدت حكومة سلام جلسات متتالية ومثمرة لمجلس الوزراء عبّرت عن تضامن افرقائها المتنافرين ورغبتهم، في ظل الرئيس ميشال سليمان، في تجاوز تناقضاتهم وانقساماتهم في كل الملفات تقريباً. حيث اخفقت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، نجحت في اقرار اكثر من 50 تعييناً رئيسياً في الادارات الرسمية، وفي نزع الغطاء عن الفوضى في طرابلس واطلاق خطة امنية مهمة اعادت الاعتبار والهيبة الى الجيش والقوى الامنية في اكثر من منطقة. اوحت بمرحلة استقرار سياسي وامني متلازمين وطويلين على مرّ الشهرين التاليين، الى ان دخلت البلاد في الشغور الرئاسي.
من دون ان يُعزى السبب بالضرورة الى وجود رئيس للجمهورية آنذاك على رأس طاولة مجلس الوزراء ــــ وهو عامل اساسي في اي حال من دون ان يكون كافيا ــــ تعاملت الكتل الكبرى مع العمل الحكومي على انها تتحضر للشغور المحتمل، واختبار وحدتها وتماسكها في ادارة المرحلة الجديدة، متفادية في ذلك الوقت الخوض في صلاحيات رئيس الجمهورية وطريقة ممارستها عندما يحين اوانها. الا ان كلاً منها كان يتحضر حتماً لمرحلة تمكّنه، من داخل الحكومة، من امتلاك حق النقض واستخدامه لاحقاً.
2 ـــ بدت الحاجة الى حكومة سلام، ولا تزال، على انها تعني توفير السقف الدستوري المبرّر لحكم البلاد في حال اخفق مجلس النواب في انتخاب الرئيس الجديد. وهو ما كان متوقعاً لاشهر قبل تأليف الحكومة من جراء وطأة الانقسام بين فريقي 8 و14 آذار. كل منهما يريد رئيساً من صفوفه. ذلك ما توخّاه الغرب ايضاً بالالحاح على تأليف الحكومة، والمساهمة من ثم في دور مؤثر لتسهيل ابصارها النور. كان المقصود عدم ابقاء البلاد في ظل حكومة تمثل فريقاً دون آخر، مستقيلة في الوقت ذاته على نحو حكومة ميقاتي، ودون ابقاء تكليف سلام معلقاً بلا حل، ما يضاعف من المأزق الدستوري. الا انها اليوم في واقع لا يقل ضراوة بنتائجه المثيرة للقلق: لا يسع الحكومة الانفجار من الداخل، وهو ما لا يريد اي من كتلها. ولا الاستقالة. ولا كذلك العمل. لا عوامل او تدخلات خارجية قادتها الى هذا التعثر والارباك، بل خلاف اعضائها على انتزاع المكاسب، والتصرّف بصلاحيات لا يملكونها فرادى، وانما في مجلس الوزراء ملتئماً.
3 ـ لم تمنع انتقادات واسعة قوبلت بها الآلية التي توافق عليها مجلس الوزراء لعقد جلساته وتوقيع قراراته، تشبث حكومة سلام بها، وعدّها الوسيلة الملائمة في هذا الوقت لادارة سلطة اجرائية في غياب رئيس للجمهورية، وفي حمأة انقسامات وطنية حادة. دافع عنها سلام بدوره، وهو يتخلى تدريجاً عن جزء من صلاحياته الدستورية، بغية ازالة العراقيل من طريق اجتماع مجلس الوزراء وادارته صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتقالها اليه.
اوجد سلام آليات اضافية لتسهيل الانعقاد، غير مألوفة وغير مرعية بالاعراف والاصول المتبعة في عمل مجلس الوزراء، كمهلة 92 ساعة لاطلاع الوزراء على جدول الاعمال والحصول على موافقتهم عليه قبل الاتفاق على ادراجه في الجلسة، بينما يقتضي ارسال جدول الاعمال الى الوزراء بعد ان يضعه رئيس الحكومة نهائياً ويطلع رئيس الجمهورية عليه، 48 ساعة قبل التئام المجلس لتحضير مناقشاتهم اياه. تساهل في اعطاء الوزراء صلاحية لا يملكونها، ولا كذلك رئيس الجمهورية. بل تدخل في اختصاصه الدستوري الحصري. بواقعية جارى تخليه عنها في سبيل تغليب التئام السلطة الاجرائية برمتها على التعنت بالتمسك باختصاص لا شريك لسواه فيه بما فيه رئيس الجمهورية. في حصيلة الامر كانت الكلفة ايضاً باهظة عندما تصرّف الوزراء كأنها صلاحيتهم.
مع ذلك، بدا لافتاً ان سلام، دون سواه من اسلاف قليلين، لم يواجه بردود فعل من زعماء طائفته غالباً ما رفضوا، قبل اتفاق الطائف وبعده، التفريط بصلاحيات رئيس الحكومة، ودرجوا على مرّ عقود طويلة على رسم «بروفيل» رئيس حكومة ضعيف متردد وهزيل الدور يهدر صلاحياته، أسيء من خلاله الى صورتي اثنين هما الرئيسان سامي الصلح وشفيق الوزان. واقع الامر ان الرئيس الحالي للحكومة حظي بغطاء غير مسبوق من القيادات السنّية بازاء طريقة اخراج ممارسة صلاحيات الرئيس، دونما اعطاب مجلس الوزراء، كي يستمر يرئسه ويتمكن من عقد اجتماعاته.
يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري ان سلام اختار ما هو ابعد من ذلك: توافق الوزراء ليس على جدول الاعمال فحسب، وانما ايضا على اقراره. لم يكتفِ رئيس الحكومة بالحصول على الموافقة على البنود الواردة فيه، بل كذلك التيقن سلفا من توافقهم على اقرارها قبل ان يثبتها في جدول الاعمال. الا ان ذلك لم يحصل.
يشيد بري بلا انقطاع بصبر سلام وصدقه في التعامل مع مجلس الوزراء الذي يرئس، الا انه وقع في خيبة «آلية غير دستورية ليست مني في شيء» يقول رئيس البرلمان.