لا صوت يعلو في قرى بقاعية على صوت صهاريج توزيع المياه. لا فرق بين ساعات النهار أو الليل أو حتى السحور، عشرات الصهاريج تتقاطع على الطرقات العامة، وتخترق من بعدها الأحياء والأزقة والزواريب الضيقة في قرى غربي بعلبك وشرقيها.يكفي ان يتناهى صوت هدير صهريج في الحي حتى تتهافت العيون لمعرفة الوجهة. تعلو صرخة الفرح «نقلة الماي إلنا» يبشّر الفتى عباس عائلته، فقد طال انتظار «دورهم» ليوم كامل. ما ينغص تلك الفرحة دفع ثمن الصهريج الذي طرأت عليه زيادة وبات سعر 4 آلاف ليتر من المياه 35 ألف ليرة، بعدما رفع أصحاب آبار بيع المياه سعر مبيع الصهريج إلى عشرة آلاف ليرة بدلاً من ثمانية.

«والله هيدا ظلم ما بعده ظلم، بالأسبوع بدنا ندفع 70 ألف ليرة ثمن مي». تقول فاطمة بسخط. وبالفعل اصبحت فاتورة المياه عبئا ً كبيرا ً على العائلة، وخصوصاً أن بعض مصادر المياه غير صالحة للشرب، بل للاستعمال المنزلي، الأمر الذي يدفع البعض لشراء غالونات للشرب، وبالتالي فاتورة جديدة تضاف الى سابقاتها.
يعتمد غالبية أصحاب صهاريج بيع المياه في تعبئة صهاريجهم على آبار خاصة، شرع اصحابها أخيرا ً في استغلالها وبيع مياهها، فيما يلجأ البعض الآخر إلى التعبئة من آبار عمومية دون اذن من قبل اي من المعنيين.

لجأ بعض السكان
إلى وضع خزان
بلاستيك في سيارتهم لنقل المياه

وإزاء هذا الواقع الصعب لجأ البعض الى ابتكار حلول في توفير المياه لمنازلهم ومزروعاتهم بهدف تحقيق وفر مالي. اعتمد هؤلاء ممن يملك منهم سيارات «بيك ـ آب» أو «فانات»، على شراء خزانات بلاستيكية (خفيفة الوزن)، أو تصنيع خزانات من الزنك، ووضعها داخل تلك السيارات، وتعبئتها بالمياه من آبار عامة أو خاصة.
حسن حمية أحد هؤلاء. لجأ إلى تفريغ سيارته من نوع «ڤان» من المقاعد الخلفية ووضع مكانها خزانا ً من البلاستيك (سعة 1000 ليتر)، وشرع منذ مدة في تعبئته يومياً من إحدى الآبار العامة في بلدته طاريا. يقول حمية ان هذه الطريقة اقل كلفة بما يقارب الثلثين.
أحمد مشيك لجأ إلى الحل ذاته، بوضع خزان من البلاستيك في سيارته من نوع بيك ـ آب، «وبدل ما إنتظر يومين لتوصلني نقلة الماي، أفضل إلي وأوفر أنو جيب هالميات مقابل كم ليتر من البنزين وأثناء تنقلاتي» يقول.
وامام أزمة شح المياه وغلاء فاتورة تأمينها، فيما لم تسع الدولة، إلى إنجاز مشاريع السدود، كـ«سد اليمونة» و«النبي سباط» و«العاصي» وغيرها، ليعيش البقاع بأكمله أزمة مياه خانقة من المرجح أن تتفاقم مع بدء جفاف مياه آبار عديدة.
البلديات من جهتها اختلفت في سياساتها لمواجهة مشكلة المياه، فمنهم من سارع إلى ممارسة سياسة التقطير من اجل الحفاظ على مياه آبارها، ومنهم من سارع إلى حفر آبار إضافية، فيما بقيت بلديات اخرى تتخبط بالمشكلة وبالدراسة والتمحيص.
رئيس اتحاد بلديات جبل الشيخ العميد مروان زاكي، شدد على أهمية ترشيد المياه والبحث عن مصادر مائية من شانها ان تخفف من ازمة المياه في راشيا، خلال اجتماع عقد في مركز الاتحاد؟
وناقش رؤساء البلديات امكانية التنسيق مع مؤسسات محلية من اجل ترشيد استخدام المياه. وأكد زاكي ان الاتحاد سيباشر انشاء برك اصطناعية في عدد من القرى، لمواجهة ازمة الجفاف، اضافة الى مشروع يرمي الى اعادة احياء العيون والينابيع المائية، وترميمها وتركيب منظمات لها حتى لا تذهب المياه هدرا، والتعاون مع المعنيين لازالة التعديات على مصادر المياه، واستغلال المتساقطات على نحو يتلاءم مع طبيعة القرى.
من جهته، لفت رئيس بلدية عين عطا طليع خضر الى أن الخطوات العملية بدأت من خلال تركيب شبكة رئيسية جديدة لمياه راشيا، والبدء بتأهيل شبكات فرعية في بعض القرى، واصلاح بعض الآبار الارتوازية القديمة وتجهيز تلك الجديدة بمحطات كهربائية، وبقطع غيار، وتأهيل بعض البرك القديمة التي تستخدم في ري المزروعات، وخاصة في المناطق السهلية، ووصلها باقنية فرعية يستفاد منها في رفع مخزون المياه، اضافة الى التعاون بين البلديات ومؤسسة مياه البقاع لتأمين مياه الشفة على نحو منتظم وعادل ومنصف للاهالي، لكون معظم اهالي المنطقة سددوا اشتراكاتهم المالية للمؤسسة.