صحيح أنه لم يكن أحد يتوقّع أن يفعلها فيليب لام ويعتزل اللعب مع منتخب المانيا، لكن المتابع عن كثب للكرة الالمانية لم يفاجأ بهذا القرار الذي همس به كابتن «المانشافت» في شباط الماضي، ولم يتم تداوله على نطاق واسع وقتذاك. وفي الوقت الذي لم يأخذ احد على محمل الجدّ ما عبّر عنه لام مطلع السنة الحالية، فإن الكل اعتقد بأن الفكرة سقطت تلقائياً من رأس الرجل بعد رفعه أغلى الالقاب في مسيرته، أي كأس العالم التي قاد منتخب بلاده الى التتويج بها للمرة الرابعة في تاريخها.
لكن، وعلى غرار جديته واصراره على ارض الملعب، بقي لام على قراره الاوّلي، وجعله رسمياً بعد المونديال، ليترك حسرةً عند جمهور «المانشافت» الذي لطالما رأى في اللاعب مفتاحاً اساسياً لنجاحات المنتخب الالماني، أقله في الاعوام الستة الاخيرة.

والاهم انه تحوّل قائداً على طينة الكبار الذين ارتدوا شارة القيادة وقدّموا الدور القيادي المنوط بهم، إذ شأنه شأن كل القياديين ابطال العالم، أي فريتس فالتر (1954)، فرانتس بكنباور (1974)، ولوثار ماتيوس (1990)، كان صاحب شخصية وصاحب قدرات فنية رفيعة في آنٍ واحد.

ترك فيليب لام الساحة الدولية واقفاً على قمة العالم
وحتى عندما كشفت صحيفة «بيلد» الالمانية صباح أمس عن النبأ السيّئ، لم يصدّق احد للوهلة الاولى، وربما تمنى البعض ان تكون معلومات الصحيفة خاطئة وان تخرج الصحيفة الواسعة الانتشار باعتذار عمّا ذكرته، لكن الحقيقة المُرّة باتت واقعاً وبات على المانيا ان تتعايش مع فكرة عدم وجود لام في صفوفها بعد الآن.
باعتزاله هذا كسب لام مكانةً ذهبية أزلية عند جمهور الكرة حول العالم، فهو ترك الساحة الدولية واقفاً على قمة العالم.
ذكي لام، حتى في اختياره لحظة اعتزاله. هذا الشاب الذي بلغ الثلاثين، والذي يظهر بشكله الفتي كأنه لا يزال في مرحلة المراهقة، أو كأنه في عزّ صعوده عبر عطائه على ارض الملعب، حُكي أنه كان أحد أذكى التلامذة على مقاعد الدراسة. ذكاؤه تحدث عنه مدربه في بايرن ميونيخ الاسباني جوسيب غوارديولا الذي قال إن لام هو أحد أذكى اللاعبين الذين درّبهم طوال مسيرته. وعندما يصف شخصٌ مثل «بيب» لام بهذه الطريقة، يمكن لمس مدى ذكاء الكابتن المعتزل، وخصوصاً ان غوارديولا أشرف على أذكى لاعبي العالم في برشلونة، من الارجنتيني ليونيل ميسي الى الإسبانيين شافي هرنانديز واندريس إينييستا...

أذكى تلامذة مدرسته تحوّل الأذكى على أرض الملعب
عموماً، كان وجود لام مفتاحاً أساسياً في الفشل أو النجاح الالماني في المونديال الاخير. فالدلالة على أهمية دوره كانت عندما نقله المدرب يواكيم لوف من وسط الملعب الى مركز الظهير الايمن، ليكون هذا الامر نقطة تحوّل في أداء «الماكينات» التي أنتجت أفضل مستوى لها بأهدافٍ غزيرة.
لم يكشف أحد سبب اعتزال لام، لكن يمكن ربطه في الاطار الفني المذكور، إذ سبق ان ضمن مع غوارديولا مكاناً في وسط الملعب، بينما مع المنتخب الالماني سيعود مجبراً على اللعب كظهير أيمن أو أيسر، وهذا أمر سيفوق قدراته البدنية في سنّه، وبعد المجهود الهائل الذي قام به طوال مسيرته مع المنتخب وبايرن، بحيث نادراً ما قدّم مستوى مختلفاً عن ذاك المستوى الذي أطلق شهرته.
ستتمكن المانيا من تعويض لام في المستقبل البعيد لا القريب، لكن حتى ذلك الوقت، خسرت الساحة الدولية نجماً لا يتكرر كل يوم.