أثار فوز رواية «فرانكشتاين في بغداد» للكاتب أحمد سعداوي بـ «بوكر» العربية ردود أفعال عديدة ومتناقضة. هجاها البعض هجاء مُرّاً إلى درجة إخراجها من جنس الرواية واعتبر أنّ منحها الجائزة محاولة للتغطية على إهمال وإقصاء السردية العراقية وإنجازاتها واعتراف متأخر وسيء بهذه السردية عبر منحها لنص ركيك وضعيف ومليء بالأخطاء اللغوية الفادحة، فيما اعتبر آخرون هذه الرواية إنجازاً كبيراً لا سابق له عراقياً وعربياً وانه يستحق الاحتفال والإشادة وهاجموا بشدة من تحفظ عليها أو انتقدها!
إنّ قراءة متمعنة في نصها، لا تسمح لنا بتأييد وجهة نظر من شطبوا عليها تماماً، ولا مع الذين احتفلوا بها واعتبروها إنجازاً أدبياً مهماً وبالغوا في نقاط قوتها أو اختلقوا لها أخرى. يمكن أن نختصر وجهة النظر النقدية التي ندافع عنها بالقول بأنّ هذه الرواية تتمتع بكافة مقومات هذا الجنس الأدبي، ولهذا النص نقاط قوة بارزة لا بد من التوقف عندها تحليلياً، مثلما أنّ فيه نقاط ضعف مؤسفة لا تليق بالسردية العراقية، ولا بهذا النص المتفرد من حيث موضوعه لهذا الكاتب الشاب والواعد ينبغي إظهارها والتوقف عندها تحليلياً أيضاً.
مضمونياً: من الواضح أننا بإزاء نص روائي يمكن أن يصنف ضمن الكوميديا السوداء، مثلما يمت بصلة مضمونية لما يمكن تسميته بالأدب المسوخي من النوع الرخيص والمتداول في نثر البشاعة وأفلام الرعب الهوليودية، ولكن هذا على مستوى النظرة الأولى للشكل. أما إذا تعمقنا أكثر في حيثيات العمل، فسنجد أنّه أكثر براءة مما قد يبدو في ظاهرة. وهذه البراءة تلتبس بنوع من الفجائعية الحزينة التي ينتجها الواقع العراقي اليومي وتفاصيله الدموية.
لقد قيل الكثير بخصوص عنوان الرواية، فثمة مَن دافع عنه ضمن حق المبدع في ابتكار عناوينه لأسباب يراها هو وقد لا يراها غيره، وانتقده آخرون على اعتباره نوعاً من افتعال رافعة إعلانية رخيصة وذات رنين ومذاق أجنبي لزيادة التأثير على الجمهور المتلقي. والواقع فإن اختيار المؤلف لهذا الاسم لا يخلو من الغرضية، ولكن هذه الغرضية للأسف خلطت الأوراق على صعيد المضمون بشدة بسبب اختلاف هوية هذا المخلوق. فهل هو نتاج للواقع العراقي الدموي، ولد من رحم هذا الواقع ليعكس صبوات العاجزين عن مواجهة الشر والألم وإلحاق الهزيمة به؟ ألا تذكرنا طريقة السرد والمضمون الذي ينوس خلفها بطبيعة أحلام اليقظة التي تداهم المراهق المهان الذي يتمنى أن ينتقم ممن ألحق به الإهانة والأذى بطريقة سهلة وسحرية كأن يمتلك طاقية إخفاء أو قدرات سحرية عجيبة تمكنه من الانتقام من عدوه وتحطيمه جسدياً، أم أن السرد هنا هو تطبيق حرفي لنسخة مسطحة من فرانكشتاين الأوروبي على ظروف العراق المحتل حيث يُقْتَل الناس على الهوية الطائفية وأحياناً من دون الحاجة حتى لمعرفة الهوية؟
الناقد فيصل دراج علّق على اسم الرواية بالقول، إن الروائي «ألصق على عنوان روايته «هوية موضوعة»، فاستقدم فرانكنشتاين إلى بغداد، فللاسم جاذبيته الوافدة، واتخذ لذاته موقع ميري شيلي التي عالجت موضوعاً له خصوصية مغايرة». وأضاف: «استحضر المؤلف رعب بغداد من الاسم الجاهز، واختصره في إنسان هامشي يلهو، في شكل فقير، بأوصال مقطعة. ولذلك، ضاع الرعب المعيش في تجليات خارجية بسيطة». إنّ كلام دراج هنا لا يخلو من المغزى الحقيقي، لكن استنتاجه الخاص باحتجاب البشر وغياب رعبهم الحقيقي لم يكن دقيقاً كل الدقة، ودراج نفسه يؤكد عكس هذا الاستنتاج حين يطري ويقيم إيجابياً ما سماه الجزء الوحيد الذي «أنقذ الرواية، والذي يصف ويسرد، ماثل في شخصية «المجنونة»، تلك العجوز المسيحية المؤطرة بالأطلال والأطياف والأشباح، والتي لا يجبرها الرعب على مغادرة بيتها القديم». أما ثنائية «الوصف/ السرد» التي يعتمدها دراج في رصده النقدي للنص، فينطوي على الكثير من التبسيط لا سيما وأن المؤلف كان متمكناً في الجانب الوصفي مثلما كان متمكناً في تقنياته السردية. أما تقييم دراج للغة التي اعتمدها سعداوي بكونها «لغة صحافية عادية» فهو ليس مأخذاً جدياً وثمة الكثير من الأعمال الروائية العالمية الهامة، منها بعض روايات ماركيز، التي اعتمدت اللغة الصحافية العادية، لكننا نجد المأخذ الجدي في الخلل اللغوي الخطير الذي عانت منه هذه «اللغة» عند سعداوي، وضاعف من تأثيره السلبي أن الرواية صدرت عن دار لا تقيم أي اعتبار لإصداراتها، فلا تراجعها أو تقترح تحريراً جديداً لها كما تفعل دور عالمية شهيرة.

* كاتب عراقي