حدثان أمنيان مهمّان للغاية شهدتهما طرابلس بعد منتصف ليل السبت ــ الأحد، في غضون أقل من ساعة، هما توقيف حسام الصباغ ومقتل منذر الحسن، المطلوبين بأكثر من مذكرة توقيف.وكان لافتاً أن ردّ الفعل في طرابلس على الحدثين الأمنيين كان أقل من المتوقع، لأن حصول أحدهما في ظروف مختلفة كان سيُشعل طرابلس وجوارها، كما حصل بعد توقيف شادي مولوي عام 2012، وإثر المواجهة مع عناصر فتح الإسلام عام 2007.

مصادر أمنية مطلعة عزت لـ«الأخبار» نجاح العمليتين واحتواء ردّود الفعل عليهما، أقله حتى الآن، إلى «وجود قرار لدى كل المراجع الأمنية بضبط الوضع الأمني على نحو كامل، ومواجهة من يحاول العبث به، وإلى كلمة الرئيس سعد الحريري الأخيرة (أتى فيها على ذكر محاربة الإرهاب 20 مرة)، التي نراها إيجابية، لأنها أفقدت هذه الفئات حضانتها الشعبية ورفعت الغطاء السياسي عنها».
وسط هذه الأجواء الإيجابية أمنياً، تحركت الأجهزة الأمنية على الأرض، وقطفت سريعاً ثمن تحركها بضربها عصفورين ثمينين بحجر واحد، وأعطاها ذلك زخماً في متابعة ما أنجزته في هذا الإطار، بعد حصولها على أكثر من ضوء أخضر داخلي وخارجي.
الحدث الأمني الأول وقع بعد منتصف ليل السبت ــــ الأحد بأقل من ربع ساعة، وفق بيان الجيش، عندما «أوقف حاجز تابع للجيش اللبناني في محلة طلعة المنار المدعو حسام عبدالله الصباغ، المطلوب بعدة مذكرات توقيف لقيامه بأعمال إرهابية، وبرفقته المدعو محمد علي إسماعيل إسماعيل. وسلم الموقوفان إلى المراجع المختصة وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص».

كان هناك حرص شديد
على اعتقال صباغ حياً لكونه كنز معلومات أمنية

وما كاد خبر توقيف الصباغ ينتشر حتى سادت طرابلس أجواء من القلق، لأنه يعتبر أبرز القيادات السلفية وله أتباع ومجموعة مسلحة تعدّ الأكبر بين نظيراتها على محاور القتال بين باب التبانة وجبل محسن. وتوقيف مولوي، إذا ما قورن به، يعدّ مزحة. ونبعت المخاوف من إمكان حصول صدام بين الجيش ومناصريه الذين أشاعوا أن الصباغ أوقف بعدما نصب الجيش كميناً له. وبعد قليل من توقيف الصباغ، نزل أنصاره في باب التبانة إلى الشارع، على وقع الهتافات وتكبيرات المساجد، وحاولوا الخروج من المنطقة نحو مناطق أخرى في طرابلس لقطع طرقاتها، لكن نقطة الجيش المتمركزة عند مستديرة نهر أبو علي قطعت الطريق عليهم بالأسلاك الشائكة والآليات العسكرية، ما أدى إلى حصول احتكاك وتبادل لإطلاق النار رمى خلاله مسلحون قنابل على عناصر الجيش، ثم عادوا إلى داخل منطقتهم.
غير أن الذي لم يحصل خارج باب التبانة وقع داخلها، إذ حاول مسلحون مناصرون للصباغ، يدورون في فلك شادي مولوي وأسامة منصور وحسام صيادي، الاعتداء على مركز للجيش قرب سينما الأهرام في شارع سوريا، فحصل تبادل لإطلاق الرصاص استمر متقطعاً نحو ساعتين، أصيب خلاله جندي بجروح وأشخاص آخرون، من بينهم صيادي الذي نقل إلى المستشفى الإسلامي للعلاج وهو في حالة حرجة حيث وضع في غرفة العناية الفائقة، وقد ضرب الجيش طوقاً أمنياً مشدداً حول المستشفى.
وفي موازاة حدث توقيف الصباغ أمنياً، كانت قوة ضاربة من فرع المعلومات تقتحم بعد أقل من ساعة شقة في الطابق العاشر من مُجمّع «سيتي كومبلاكس» في شارع الميناء في طرابلس، بعد تأكدها من وجود منذر الحسن فيها، وهو المتهم بقضية فندق «دي روي»، وبتسليمه متفجرات وأحزمة ناسفة لانتحاريين سعوديين.
وكشفت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أن الحسن «كان مراقباً منذ ثلاثة أيام من قبل أكثر من جهاز أمني، بعدما رُصد وجوده في المُجمّع، وأنه بعد التأكد من وجوده داخل شقته، استدعي عناصر من القوة الضاربة في فرع المعلومات لتنفيذ المهمة، في حين ضرب الجيش طوقاً أمنياً مشدداً حول المكان.وأوضحت المصادر أن الحسن «حاول تضليل الأجهزة الأمنية من خلال تغيير هيئته الخارجية، إذ حلق شعره ولحيته باستثناء مقدمتها، وكان يتصرف كأي مواطن عادي، لكن بحذر شديد حتى لا يثير انتباه أحد، إذ توجد في المُجمّع قوة أمنية تحرس منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، إلى أن تعرفت الأجهزة الأمنية عليه بعد متابعة دقيقة له، وحصلت عملية الاقتحام ومقتله». وكشفت المصادر أنه «كان هناك حرص شديد على اعتقاله حيّاً، لكونه يعتبر كنز معلومات أمنية، لكنه رفض الاستسلام رغم استدعاء عمّته إلى المكان لإقناعه بذلك، كذلك رفض كل أشكال التفاوض للاستسلام، لا بل هدد بقتل أي شخص يقترب منه، فحصل تبادل لإطلاق النار بينه وبين العناصر، أصيب خلاله أربعة منهم، وألقى قنابل باتجاههم قبل أن يلقى حتفه بقنبلة انفجرت به، على طريقة الانتحاريين السعوديين اللذين فجّرا نفسيهما في فندق دي روي ورفضا الاستسلام».
انتهاء الحدثين الأمنيين في طرابلس على هذا النحو، قابله صمت شبه مطبق من القوى السياسية والإسلامية في المدينة على عكس العادة. وفي حين لم يأت أحد على ذكر اسم الحسن من قريب أو بعيد، فإن الصباغ لقي تعاطفاً نسبياً معه، خصوصاً من الشيخ سالم الرافعي الذي أجرى اتصالاً برئيس الحكومة تمام سلام وطلب موعداً سريعاً للقائه. واستنكرت هيئة علماء المسلمين التي يحسب الصباغ عليها، بعد اجتماع لها أمس، «الاعتقالات بحق الشباب المسلم والعلماء في طرابلس، وخاصة حسام الصباغ الذي لم يكن إلا عامل تهدئة في طرابلس بعد الخطة الأمنية». وما لم تقله الهيئة علناً قالته مصادر سلفية محسوبة عليها سراً، عندما لفتت إلى أن توقيف الصباغ «يأتي في سياق التطاول على أهل السنّة والاستخفاف بكرامتنا، واعتقاله في هذه المرحلة الحرجة في لبنان يدق ناقوس الخطر الذي تجسّد في خطاب سعد الحريري الأخير، الذي أعلن فيه حربه على أهل الشرف والكرامة من أبناء ديننا بحجة مكافحة الإرهاب والتطرف».
غير أن أجواء الارتياح الأمني لما تحقق أمس في طرابلس لم تخف قلقاً من محاولات البعض القيام بردود فعل في الشارع، وإحداث فوضى، ما دفع مصادر أمنية إلى التأكيد أن «تحجيم هذه القوى لا يحتاج منا سوى إلى قرار ودعم سياسي، أو صمت وعدم تحريض علينا إذا تعذر الدعم».
وأشارت المصادر إلى أن الإسلاميين، وتحديداً المتطرفين منهم، «استغلوا خلافات القوى السياسية السنية، وخصوصاً تيار المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي، واستفادوا من هذا الخلاف وحاولوا إمرار مشروعهم الخاص، بعدما حاول كل من تيار المستقبل وميقاتي الاستعانة بهم لتصفية خلافاتهما، ما عزز حضور الإسلاميين على اختلاف مكوناتهم في الشارع السنّي، مع أنه إذا جرى الاستفراد بهم بعيداً عن القوى السياسية، فإن القضاء على خطرهم لا يستغرق وقتاً وجهداً كبيرين».